كي لا ننسى…الشيوعيون البسطاء هم بناة الحزب الحقيقيون

في قرية مردك التابعة لمنطقة شهبا في محافظة السويداء، ولد في عام 1929 المناضل صابر زكي، وفي عام 1932 ولد مناضل آخر هو أسد الشحف.. كلاهما من أسرتين فلاحيتين عانتا من العوز والفقر والحرمان.

كان على هذين الطفلين أن يدخلا مدرسة الحياة التي لا ترحم، كان عليهما أن ينخرطا منذ نعومة أظفارهما في العمل القاسي، وأن يصبحا عاملَي بناء، يكدحان طوال اليوم من أجل تأمين ما يسدّ رمقهما، ورمق أسرتيهما. في ذلك الوقت كانت قد ظهرت إلى الوجود منظمات شيوعية نشطة، ومن بينها منظمة مردك، التي عمل على تأسيسها الشيوعي جايد الشحف، وكذلك في صلخد التي تميز فيها الشيوعي فهد يقظان وهو عامل بناء، وغيرها في مدن المنطقة وبلداتها.. ويتأثر الشابان صابر زكي وأسد الشحف بالأجواء السياسية النشطة في المنطقة، وبحكم طبيعتهما العمالية، وجدا في أفكار الشيوعية تعبيراً عن طموحهما إلى العدالة الاجتماعية، ويصبحان عضوين في الحزب الشيوعي السوري، ومن ذلك الوقت ارتبطا به، وجعلا هدفاً لحياتهما خدمة مصالح كادحي بلدتهما.. بيد أن انعدام فرص العمل في المنطقة دفعهما للهجرة إلى الكويت، لكنهما اعتقلا هناك بتهم النشاط الشيوعي، وتعرّضا للضغوط والترهيب.

ويجري ترحيلهما إلى سورية في عهد الوحدة السورية المصرية.. وإثر رجوعهما يتابعان دون تمهل نضالهم مع الحزب، ويعملان على تجسيد فكرة العمل الشعبي في الممارسة، ويتطوعان مع غيرهما من أبناء بلدتهما من أجل شق الشوارع في البلدة وغيرها من الخدمات، وساهما مساهمة نشيطة في بناء منظمة قوية للحزب في مردك، فسميت البلدة بنتيجة ذلك المدينة الحمراء.

لم يكن هذان المناضلان من طالبي المراكز في الحزب، ولم يفكرا بها، ولم يعملا لأجل ذلك، وقد ناضلا بصمت، وكان ارتباطهما بأبناء بلدتهما وثيقاً.. وحازا على احترام الجميع من رجال الدين، إلى أبسط عامل في البلدة.. وكان ذلك أمراً طبيعياً.

إن تفانيهما وتواضعهما وصلابتهما الوطنية وإنسانيتهما، قد أكسبتهما حب الناس، وكان من الطبيعي أن ينالا ثقة أبناء بلدتهما التي كانت غالية جداً بالنسبة لهما، وكانا حريصين جداً عليها حرصهما على حدقات العيون.

إن قساوة الحياة وصعوبتها، وآثار السجن، والعمل المضني الذي قدمه هذان الشيوعيان من أجل مصلحة كادحي منطقتهما، كان لابد أن تؤثر على وضعهما الصحي. وفي عام 1988 فارق أسد الشحف  الحياة، بعد حياة حافلة، ويطلب والده من رفاقه إخبار الحزب بالوفاة من أجل التعزية.. وبعد فترة وجيزة وفي عام 1994 يتبعه صديقه ورفيقه في النضال صابر زكي ويفارق الحياة، تاركاً ذكرى لا تندثر بين أبناء بلدته وكادحيها.

لقد كانت حياة هذين الشيوعيين الحقيقيين، نموذجاً للمناضلين الذين وهبوا كل طاقاتهم وجهدهم وحياتهم من أجل الشعب، دون أن يفكروا بأي ثمن، ولذلك فإنهما يستحقان أن يبقيا في ذاكرة الأجيال المقبلة، وأن يدخلا في الإرث النضالي للحزب الشيوعي السوري الذي لم يعرف الكلل في الدفاع عن مصالح الشعب.

العدد 1136 - 18/12/2024