أهالي حلب يتحدَّون.. ويطالبون
يفتخر السوريون عموماً بالصمود الأسطوري لأهالي حلب، ويعتبرون أن بوابة النصر لسورية وطناً وشعباً هو هذا الصمود، وثقافة الاستمرار بالحياة والعمل، وإبداع أشكال التكيف مع الأزمة- الحرب، صارت تدمغ الحلبيين في كل مكان. بل أصبحت (براءة اختراع) مسجلة باسمهم حول العالم.
وبوابة النصر هذه، حلب الأسطورة، تحتاج إلى استمرار التدعيم، واليوم قبل الغد، فعندما تنطلق فعاليات إعادة الإعمار ستكون حلب الأمثولة في ابتكار وتقديم المثل في السرعة والكفاءة في تلك الفعاليات. لكننا اليوم نرى واقعاً صعباً، بل كارثياً، في شوارع حلب وأحيائها الشعبية الباقية تحت سيطرة الدولة، ونرى حاجات يومية معيشية وأمنية يجب النظر فيها بإمعان وتلبيتها، لتأمين مقومات استمرار الصمود.
فيما الحكومة- رغم الجهود المبذولة تقنياً وعلى تواضعها منهجياً لم تتوجه بعد، بالخطة وبالأداء الفعلي لا بالكلام الإنشائي، إلى إدراك حقيقة مفادها أن الطبقات الشعبية هي القاعدة، وهي الأساس الضروري، للدفاع عن الوطن.
وبالتالي لم تتوجه الحكومة إلى إقرار سياسات دعم شعبية وتنفيذها، ولم تترك نهج حكومات العطري-الدردري أن (السياسات الوطنية ليست بالضرورة شعبية).. متى ستدرك الحكومة أن السياسات الشعبية هي السياسات الوطنية بامتياز، لأنها هي، وهي فقط القادرة على التعبئة الشعبية الضرورية اليوم لمقاومة المشاريع الإمبريالية الصهيونية الرجعية؟
هل يعقل أن يكون مستوى البطالة بين الحلبيين بهذا الشكل؟
هل يعقل أن يكون أجر العامل لدى الدولة، رغم ضعفه الشديد وعدم تلبيته للحاجات الضرورية (الغذاء فقط)، هل يعقل أن يكون حلماً لغير العامل لدى الدولة؟
هل يعقل أن يضطر الموظف وغير الموظف للعمل بأشكال غير مشروعة للحصول على دخل يكاد لا يسد رمقه ورمق عائلته لبضعة أيام من الشهر، وماذا يفعل لباقي الأيام؟
ألن تنتشر إذاً ظواهر مستنكرة في الشوارع والأحياء؟ ألن يصبح سعر أي سلعة خارج دائرة المعقولية وخاضعاً لحاجة البائع الصغير ولجشع البائع الكبير والإضافات غير المشروعة على التكلفة، وبشكل غامض..؟!!
لماذا لا توجد مسابقات رغم وجود الشواغر؟
لماذا ألغيت العقود السنوية مع معرفتنا بإشكالاتها الكثيرة؟ ولكن رغم حاجة الكثير من القطاعات لليد العاملة!!
هل نطالب بتوظيف الجميع؟ لا.. لكن لدى الحكومة -كل حكومة- آليات لكفاية مواطنيها غذائياً.. لماذا لم نسمع بخطة كهذه حتى الآن؟
أين آليات الدعم الشعبي الفاعلة؟ والطرق كثيرة.
لكن هل هذا وارد لدى حكومة (قانون التشاركية) في خطة تنفيذية؟ أم أنه مجرد بند في البيان الحكومي المقدم لمجلس الشعب والذي نالت الثقة عليه؟
صمودكم هو بوابة النصر
نحن نفتخر بهذه الكلمات، ونحس بالأمان في كل ظهور لرئيس الجمهورية أو وزير الخارجية، ونحن مقتنعون أن حلب (خط أحمر) لدى القيادة السورية ولدى كل الحلفاء الحقيقيين لسورية..
لكن التنفيذ الحكومي دون هذا الشعار، ولم يستطع طوال الأزمة إمساك طرف الخيط الشعبي، لتعزيز الصمود الرائع لمن تبقى من سكان في حلب.. فقذائف الحقد و(جرّات جهنم) تستلزم، بالرعب الذي تولده في كل ليلة تنهال فيها على منازل الأهالي، في كل منطقة، خلال سنوات 2013-2014-،2015 وفي فترة التصعيد الإجرامي الأخيرة، تستلزم مع الدمار الذي سببته في الأبنية السكنية والمرافق العامة، تستلزم سلوكاً (حقيقياً) لدعم الصمود (الأسطوري).. يتجسد واقعاً في دعم حكومي ملموس يستطيع معه المواطن الحلبي إكمال حياته بالحاجات الضرورية، وأن يرى أن الفساد يكافح فعلاً، بألا يرى أمامه في كل يوم شكلاً من أشكال الابتزاز لحاجته، أو إضافة نسب إضافية على سعر غذائه، يحتاج مع الصمود وإرادة الحياة والإنتاج، أن يرى حكومته واعية لحاجاته منفذة لخطط دعمه..
هل يعقل ألا تجد الحكومة طرقاً، لكيلا يبقى المواطن تحت رحمة المسلحين، بمائه وكهربائه، متى شاؤوا الضغط عليه أو على الجيش عبره؟
كم من السنوات يجب أن يمر حتى تنفذ إحدى الطرق لتأمين الماء والكهرباء؟ وهي ليست قليلة!!
أليس مجرد الخلاص من الضغط على الجيش، عندما ينوي القيام بعمليات واسعة لتحرير أحياء حلب أو ريفها، هدفاً؟ أو بنداً من خطة التحرير؟
كلام المسلحين واضح!! عندما يقوم الجيش بأي عمل هجومي، سيستخدمون سلاح الماء والكهرباء.. طيب!! ماذا علينا أن نفعل؟
يجب تأمين الماء والكهرباء دون المرور على مناطق سيطرة المسلحين؟ كيف!!
من يدافع عن الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم؟
استطاع الصناعيون، لأنهم شريحة واعية لمصالحها، قادرة على الوصول إلى مراكز القرار، أن يجنوا يعض المكاسب، ودعمهم أمر لازم وضروري لأنهم بوابة إعادة دوران الحياة الاقتصادية.
لكن من يتكلم باسم الفقراء والمفقرين، الفقراء بالأصل أو المتضررين بالأزمة- الحرب التي ذهبت بكل ما يملكون من سكن وعمل ومدخرات؟
من يوصل في دولة العمال والفلاحين والكادحين عموماً صوتهم، إن لم يكن حكومتهم؟ وكل أشكال تمثيلهم غير مستقلة من حيث النتيجة، في الدفاع عنهم، رغم تقديرنا لما يقوم به اتحاد نقابات العمال واتحاد الفلاحين وباقي المنظمات الشعبية والمهنية وبضمنها الأحزاب اليسارية والقومية من مطالبات، في كل مؤتمر وفي كل اجتماع.
الكرة اليوم في ملعب الحكومة، فلتسدد في المرمى الصحيح..
نفهم من عبارة(صمودكم هو بوابة النصر) الموجهة لأهالي حلب أن تتوجه (كل الجهود الحكومية لدعم التعبئة الوطنية المساندة لجيشنا الوطني، ولتحشد كل الموارد والطاقات لتأمين مستلزماتها وتنظيمها وتوحيد مرجعياتها، لتهيئ مناخاً أكثر ملاءمة لتحقيق الاندماج بين الجيش والشعب. فهذه هي المعادلة الذهبية للنصر على كل المشاريع العدوة.
الشعب ـ كل شعب ـ هو قوة لا تقهر.. فكيف إذا كان الشعب السوري؟
يا حكومة! الانتصار بالشعب، بالطبقات الشعبية الفقيرة والمفقرة.. فادعموها وعودوا عن سياسات سابقيكم، فهي لم تؤدِّ إلا إلى توليد مناخ الاختراق الإمبريالي الصهيوني الرجعي لمجتمعنا، وإنجاح مآربه الشريرة..
لا ناصر لنا إلا جبهة داخلية متراصة، وإبداع وضع تعبوي لإشراك الشعب في مقاومة الغزاة، وطريقُهُ: تطبيق التعددية السياسية، وإقامة تعاون حقيقي مع الأحزاب والقوى الوطنية داخل الجبهة وخارجها، طريقُه إنقاذ الشعب الكادح من براثن تجار الحروب والفاسدين.