تأثير الأزمة السورية على الوضع الأمني في الأردن
أصبح من المعروف جداً أن الحرب في سورية قد أثّرت بشدة على المملكة الأردنية, إذ أدت هذه الحرب إلى خسائر كبيرة في قطاع السياحة والتجارة وقطاعات أخرى مختلفة, وأدى وجود حوالي مليون نازح سوري في الأردن إلى خلق ضغوط هائلة على البنية التحتية, وزادت بشكل كبير من معدل البطالة ووصلت إلى 15%، فيما اقتربت نسبة بطالة الشباب إلى 40 %.
وقد أجبر تدهور وضع الاقتصاد الأردني هذا العام إلى إعلان وزير المالية الأردني عمر ملحس خفض توقعات النمو السنة المالية 2016- 2017 للمملكة من 3.5 إلى 2.7%, رغم المساعدة الأمريكية التي بلغت في عام 2016 حوالي 1.6 مليار دولار منها نحو 800 مليون دولار على شكل مساعدات عسكرية.
ولم يقف التأثير على الجانب الاقتصادي فقط بل أثرت الأزمة السورية بشدة على الوضع الأمني وفتحت الباب على رعب حقيقي لدى السلطات الأردنية من تزايد نشاطات (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) (داعش) في المملكة بشكل كبير، وهذا ما ظهر خلال العام المنصرم.
ورغم أن الأردن ليست الوحيدة التي بدأت تعاني من هذا الخطر, إلا أنها الأكثر احتكاكاً بهذه الظاهرة بحكم حدودها المشتركة مع سورية. ويلاحظ أن الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة التي يتبناها (تنظيم الدولة) والمجموعات الشبيهة به بدأت تنتشر، بشكل يدعو للخطر، ضمن فئات مختلفة من المجتمع الأردني، من بينها فئات متعلمة, كما أنها بدأت تتوسع في مدن بعينها خاصة في العاصمة عمّان وفي مدينة إربد. ووصل عدد الأردنيين الذين انضموا إلى المجموعات الإسلامية المسلحة في سورية إلى نحو 2500 شخص، وقد أشار (المعهد الجمهوري الدولي) إلى أن حوالي 10% من سكان الأردن لا يعتبرون أن (تنظيم الدولة) تنظيم خطير, وهذه النسبة تعتبر عالية بالمقاييس الإحصائية.
ومن متابعة الوضع الأمني يُلاحظ ارتفاع كبير في نسبة العمليات الارهابية التي تعرضت لها المملكة, ففي حزيران الماضي قام مسلح ينتمي إلى التنظيم بدخول مبنى (دائرة المخابرات العامة) داخل مخيم (البقعة) شمال العاصمة عمّان، وقتل خمسة ضباط ثم لاذ بالفرار, وبعد أقل من شهر فجّر التنظيم سيارة مفخخة في قاعدة (الرقبان) العسكرية على الحدود مع سورية، أدت إلى مقتل 6 جنود أردنيين.
في تشرين الثاني الماضي قَتلَ حارس أردني ثلاثة جنود من القوات الخاصة الأمريكية في قاعدة (الجفر) الجوية. غير أن الهجوم الذي قام به (تنظيم الدولة) نهاية العام المنصرم على مدينة الكرك التاريخية يعتبر الأكثر دموية وتبعه ملاحقات وتوتر أمني شديد, وانتهى بمقتل سبعة عشر شخصاً بينهم سياح. ولم تتوقف نشاطات التنظيم عند العمليات الإرهابية، إذ يبدو أن له طرقه المتعددة في اختراق الوسائل الأمنية لقوات الأمن الأردنية, فقد استطاع بأساليب عدة من بينها الرشوة والقرابات العشائرية من سرقة عدة آلاف من بنادق كلاشينكوف (AK-47) كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية قد أرسلتها خصيصاً إلى المجموعات الإسلامية المسلحة في سورية، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في حزيران الماضي.
أيضاً أثناء تدريبات في صحراء العقبة اختفت بضعة مئات من الحاويات تحوي 87 ألف رصاصة تعود للجيش البريطاني, وذكر ديفيد شينكر في موقع واشنطن بوست لسياسات الشرق الأدنى: (فقدان ما لا يقل عن أربع مقاتلات أردنية من طراز أف-16 بسبب خطأ من الطيار أو عطل ميكانيكي وهذه تشكل أكثر من 6 في المئة من إجمالي مخزون الأردن)، بطريقة تدعو للشك.
هذا الوضع المتدهور للواقع الامني في الأردن مرتبط بطريقة أو بأخرى بالوضع السوري, وقد يزداد سوءاً في حال لم تسر العملية السياسية بشكل سريع لحل الأزمة في سورية, وفي الحقيقة يبدو الحل السياسي وإنهاء الأزمة السورية بطريقة سلمية مطلباً شعبياً للغالبية العظمى من الأردنيين, ومن واجب الحكومة الأردنية والنظام السياسي في الأردن الأخذ بعين الاعتبار المخاطر الشديدة على الأردن في استمرار الأزمة السورية, والسعي إلى المساهمة في حلها بدلاً من تأجيجها، باستمرار دعمها للمجموعات الإرهابية الإسلامية المسلحة في الجنوب السوري.