التخفيـف من معاناة الشعب.. واجب وطني
تزداد معاناة الشعب مع استمرار الأزمة، وتصل إلى حدود لم يسبق لها مثيل في تاريخ سورية المعاصر، وتهدد المجاعة شرائح غير قليلة من الشعب السوري من ذوي الدخل المحدود، ويستشري الفساد، ويستفحل التضخم، وتتراجع قيمة الليرة السورية تراجعاً كبيراً، ويزداد الغلاء بصورة فاحشة، ويتراجع مستوى حياة المواطن السوري العادي على نحوٍ كارثيّ، إلى درجة يصبح معها 75% من الشعب السوري دون خط الفقر، ويصبح معظم الشعب أسيراً لأثرياء الأزمة الذين يتاجرون ببؤسه وفقره ومعاناته. إنّ كلُّ ذلك يجري تحت سمع الحكومة الموقرة وأنظارها، دون أن يلمس المواطن السوري أي تدبير جدّيّ تتخذه من أجل تخفيف معاناته وعذاباته.
ورغم أن الشعب السوري يعرف أن أحد الأسباب الهامة في تراجع مستوى حياته يعود إلى الأعمال الهدامة والتخريبية التي تقوم بها عصابات الإرهاب ومن يقف وراءها، ضد المواطنين وضد الاقتصاد، ويعرف أيضاً مدى الآثار السلبية على حياته، للحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضته الدوائر الإمبريالية على سورية، لكنّه يعرف أيضاً أن أحد الأسباب يعود إلى السياسة الاقتصادية المرتجلة التي اتبعتها الحكومة خلال سنوات الأزمة، والتي كان لها أيضاً انعكاساتها السلبية الكبيرة والواضحة على حياة المواطنين ومعيشتهم.
إن الشعب السوري مستعدّ لتحمّل صعوبات الأزمة بصبر، ومستعدّ لتقديم التضحيات، إلا أنه عندما يرى كل يوم السيارات الفارهة للمسؤولين وغيرهم من أثرياء الأزمة والقطط السمان تمر أمامه غير مبالية بمعاناته، وعندما يرى المطاعم الفاخرة تعجّ بهم، في الوقت الذي لا تستطيع فيه قطاعات واسعة من تأمين حتى أبسط الحاجيات الضرورية لحياتها، ويرى أيضاً أن المساعدات التي تأتي إليه تذهب في كثير من الأحيان إلى من هم ليسوا بحاجة إليها، والدليل على ذلك هو امتلاء الأكشاك والبسطات المنتشرة في الأسواق السورية بهذه المواد، حيث يجري بيعها بأسعار خيالية ينوء بها دخل المواطن.. عندئذ لابد أن يتساءل: أين هي الحكومة التي تُشبعه كلاماً في التلفزيون والإعلام دون أن يتلمس أي أثر جديّ في الواقع الملموس؟
إنه لا يشعر بوجود الحكومة ولا بجهودها، رغم كثرة الكلام عن هذه الجهود! يعرف السوريون أن موسم الصيف عادة هو موسم الرحمة بالنسبة للفقراء، إذ تصبح أسعار الخضار والفواكه مقبولة بالنسبة لدخلهم.. بيد أن من يذهب إلى الأسواق ويسأل عن أسعارها، يعرف أن هذه المواد التي كانت تشكل يوماً ما الدعامة الأساسية لغذاء القسم الأكبر من المواطنين، أصبحت الآن متعذرة بالنسبة لجزء واسع منهم. إن الشعب السوري يتطلع، بعد الاستحقاق النيابي، إلى تأليف حكومة جدية تضع نصب عينيها، لا تأمين الأمن فقط للمواطن، وهو أمر ضروري، وإنما تخفيف معاناته الكبيرة التي يعيشها، والتي تصبح أمراً غير مقبول. وهذه المهمة، ليست اقتصادية واجتماعية فقط، بل تصبح مهمة وطنية من الدرجة الأولى. إن صمود سورية وانتصارها في هذه المعركة مرتبط ارتباطاً عضوياً بقناعة المواطنين بأن سياسة الدولة تضع في أول أولياتها مسألة تخفيف معاناة الشعب والالتصاق به. إن الشرط الأساسي لعودة المصداقية للحكومة هو أن تنطبق لديها الأقوال بالأفعال، وأن لا يشعر المواطن بالهوّة القائمة بينه وبينها، كما هو الأمر حالياً.. إن الواجب الوطني يملي على الحكومة القادمة أن تقوم بذلك بكل ما تستطيع من قوة، وهذا ما يأمله الشعب.