كي لا ننسى … جوزيف بركات:الشيوعي الدمشقي الذي ذهب للدفاع عن الجمهورية في إسبانيا
جوزيف بركات، شيوعي من دمشق، شيوعي مجهول لدى الكثيرين، لم يتصدر اسمه صفحات الجرائد الحزبية، ولم يناضل في صفوف الحزب من أجل الشهرة أو الارتقاء إلى مراكز عليا.
لقد انتسب إلى الحزب أوائل الثلاثينيات، مدفوعاً بمثل الشيوعية العليا، التي وجد فيها تعبيراً عن نفسه، وعن طموحاته وأحلامه، كان الاستعمار الفرنسي آنذاك يخيم بظله الثقيل على الأرض السورية، وقد رأى هذا الشاب المرهف بأم عينيه، كم هي ظالمة، وقاسية، ومجرمة، السياسة الاستعمارية الفرنسية التي يرزح تحت حملها الشعب السوري المحب للحرية.
لم يكن جوزيف يستطيع أن يقف بلا مبالاة تجاه معاناة الشعب من هذه السياسة، وعلى الأخص كادحي البلاد، الذين كانوا يكدون طوال يومهم، ولا يأخذون لقاء ذلك إلا ما يسد رمقهم.
لقد وجد في الحزب الشيوعي مبتغاه، فانخرط في صفوفه، مناضلاً دون كلل من أجل الاستقلال، ومن أجل جماهير الشغيلة في المدينة والريف.
كان الحزب في منتصف الثلاثينيات ملاحقاً من السلطات الفرنسية، وكانت الاجتماعات تعقَد بسرية وفي أماكن مختلفة، حيث كانت تناقش مهام الحزب وكيفية تنفيذها، ولقد كان جوزيف بركات في مقدمة هؤلاء الرفاق، الذين كانوا على استعداد دائم لتنفيذ أية مهمة.
كان أحد أركان منظمة دمشق آنذاك، التي كانت تضم إضافة إليه مجموعة غير قليلة من الشيوعيين، الذين فيما بعد أدّى عدد لا يستهان به من بينهم دوراً في قيادة نشاط الحزب الشيوعي على نطاق البلاد.
في عام 1937 كان الوضع الدولي ينذر بوقوع كارثة عالمية، فقد وطد الحزب النازي سلطاته في ألمانيا، وأخذ يتطلع للتوسع، وكذلك الحزب الفاشي في إيطاليا، وكانت إسبانيا (التي انتصر فيها التحالف الشعب الجمهورية) تتعرض للمؤامرات من قبل ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الفاشية، من أجل إسقاط الحكومة الشعبية وإقامة حكومة بديلة فاشية،
وقد بدأ التدخل الفاشي يتصاعد، وبدأت الأسلحة تتدفق على قوى الثورة المضادة بقيادة فرانكو، وبدأت الأحداث تتسارع، ويصدر الكومنترن نداءً لكل القوى الشيوعية والديمقراطية في العالم، للدفاع عن الجمهورية الشعبية في إسبانيا، أمام الخطر الفاشي المخيم، ويجري تشكيل فصائل عمالية وشعبية في بقاع كثيرة من العالم، وتتوجه إلى البلاد الإسبانية.
وفي سورية، ورغم أنها كانت تئن من سطوة الاستعمار الفرنسي، إلا أن عدداً من الشيوعيين وأصدقائهم، سارعوا للتطوع من أجل الدفاع عن الجمهورية الإسبانية، وتأدية مهامهم الأممية في هذا المجال، وكان في مقدمتهم المناضل الشيوعي جوزيف بركات الذي وصل إلى فرنسا وتوجه مع مجموعة من رفاقه الأمميين نحو الجنوب من أجل عبور الحدود إلى إسبانيا،
إلا أن السلطات الفرنسية في مدينة تولوز تعتقلهم بحجة أن جوازات سفرهم غير قانونية، ويسجن جوزيف بركات، ويعود إلى سورية بعد خروجه من السجن، ليتابع من جديد نضاله مع رفاقه. وتشير المعطيات إلى استشهاد بعض الشيوعيين السوريين في معارك الحرية في إسبانيا بأسماء مستعارة، من الضروري معرفة أسمائهم الحقيقية، لأن مساهمتهم تدخل في الإرث الكفاحي والأممي للحزب.
لقد كان الشيوعي جوزيف بركات في قلب النضال العاصف الذي خاضه الشعب السوري وقواه الوطنية من أجل الاستقلال الوطني في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان أيضاً في لبّ النضال الذي خاضته شعوب العالم ضد انفلات الفاشية المعادية للإنسانية من عقالها، والذي كان الاتحاد السوفييتي في مركزه آنذاك.
إن تاريخ هذا المناضل غني بغنى التراث النضالي للشعب السوري، الذي لا يمكن أن يخمد، وإنما يغتني دائماً بمضامين جديدة، وهو يتجذر بعمق في تربة الوطن الخصبة والمعطاءة.