تغييب الحوار الداخلي والرهان على مسار جنيف… من المستفيد؟!
مما يلفت الانتباه ويثير الاستغراب، بعد مرور ما يقارب السبع سنوات على استعصاء الأزمة السورية، إصرار بعض أطراف المعارضة السورية التأكيد والرهان على مسار جنيف واعتباره المنقذ والمخلص للشعب السوري من أزمته. رغم أن بعض هذه الأطراف لم تشارك في صياغته وكانت تعتبر أن معظم الأطراف المشاركة في صياغته غير مؤتمنة، وتعتبرها أجندات لأطراف خارجية، وهي الآن تعوّل على قرار مجلس الأمن 2254 تاريخ 18/12/2015 الذي تعتبره نصاً مقدساً لا يجوز المساس به.
واللافت أيضاً أن جزءاً من هؤلاء المهتمين بتقديس هذا القرار معظمهم لم يكن حسم موقفه المعارض حين صدور القرار! وجزء آخر كان يمارس عمله شريكاً في السلطة! ومن يراقب بعض المدافعين عن هذا القرار بهذه الجدية والحماسة ويتابع (البوستات) المنشورة على صفحاتهم في (الفيس)، وتركيزهم الشديد على قدسية القرار 2254 يظن أنهم قد شاركوا في صياغته! وفي الواقع كان بعضهم قبل سنوات قليلة فقط مشاركاً في السلطة وعلى رأس عمله. ولم يكن قد أعلن موقفه المعارض. وهو يعتقد أن التاريخ قد توقف منذ ذلك الحين، ولم تتغير موازين القوى، رغم كل ما جرى من تغيير، ويظن أن القوى الدولية عاجزة عن إنتاج قرارات جديدة، قد تتجاوز القرارات السابقة، أو تضيف إليها معطيات لها أهمية، كانت مغفلة سابقاً. أو أصبح من الضروري لحظها، بناء على بعض المستجدات في مواقف بعض الدول التي ظهرت مؤخراً. ثم إن موازين القوى هي التي تجعل قرارات مجلس الأمن موضع التنفيذ أو تضعها في الدروج المغلقة وتُهمل. وليتذكر الأصدقاء قرارات مجلس الأمن التي تخص قضية الشعب الفلسطيني، التي تموت بالتقادم، ما دامت موازين القوى لصالح الكيان الصهيوني، وفي ظل الهيمنة المفروضة من الإدارة الأمريكية على معظم المؤسسات الدولية، ودعمها غير المحدود للكيان الصهيوني.
إن من يريد الانتصار على الفاشية، ويريد الحفاظ على مؤسسات الدولة، ويعمل من أجل التغيير الجذري الشامل في بنية النظام ونهجه، عليه أن يعمل من أجل استقلال القرار الوطني، بعيداً عن أي ضغوط إقليمية أو دولية، ويعمل على تقوية الكتلة الاجتماعية الموجودة داخل الوطن، التي يدّعي تمثيلها والتعبير عن مصالحها، المتمثلة بالخروج من الأزمة بأقل التكاليف. والسؤال لهؤلاء: هل يتعارض فتح مسار داخلي تشارك فيه كل الأطراف السياسية لإيجاد توافقات بين أبناء الوطن الواحد مع قرار جنيف المشار إليه؟ وهل التوافق الذي يحصل بين القوى السياسية المتنوعة داخل المجتمع السوري والتي تعبر عن الانقسام الوطني الحقيقي دون صناعات خارجية ودون تأثير المال السياسي، يشكل إعاقة أمام قرار جنيف المقصود؟
إن غالبية المجتمع السوري بتعبيراته السياسية المختلفة، متفقة على أن النخب الوطنية السورية قادرة ومؤتمنة على إنتاج حل سياسي، يضمن الخروج من الأزمة الوطنية بعيداً عن التدخلات الخارجية، إلا بحدود محددة جداً، لا يتجاوز الرعاية والتشجيع. وبعد مرور ما يقارب سبع سنوات على الأزمة الوطنية، التي كشفت جميع الأطراف العدوة والصديقة، وخاصة التي ادّعت صداقة الشعب السوري وعملت على حصاره وتجويعه، ودعمت التطرف بكل أشكاله، وأثارت الفتن الطائفية والمذهبية، لم تعد أجنداتها مؤتمنة من قبل غالبية المجتمع السوري.
إن حالة التشظي والانقسام في صفوف المعارضة الخارجية، وخيبة الأمل التي منيت بها من أطراف كانت تدعم بالمال والسلاح جميع من حمل السلاح بوجه الدولة السورية، وقاتل الجيش العربي السوري، تجعل هؤلاء في مكان لا يحسدون عليه. فإما السير على النهج نفسه، وبالتالي يجري عليهم كما جرى على جيش أنطوان لحد، أو الرجوع خطوة إلى الوراء وإجراء مراجعة شاملة لمواقفهم، والتوقف عن شراء الوهم وبيعه، والعودة إلى الداخل والعمل من الداخل لإنقاذ مايمكن إنقاذه.
إن رفض بعض الأطراف من المعارضة الداخلية والخارجية من جهة، وكذلك رفض السلطة السورية من جهة ثانية، العمل على فتح مسار لحوار وطني داخلي، ومحاولة التقليل من أهميته، هذا الرفض يترك سؤالاً مزدوجاً يحتاج إلى الإجابة عنه من الطرفين: من المستفيد من تعطيل الحوار الوطني الذي ينتظره معظم السوريين، الذين تزداد معاناتهم يوماً بعد يوم؟ وهل توجد جهة في العالم مؤتمنة على الوطن السوري أكثر من السوريين أنفسهم؟
إن ما يثير الاستغراب هرولة بعض أطراف المعارضة الداخلية، ومحاولتها التنسيق، لتشكيل وفد واحد، مع المعارضة الخارجية التي تدعم الفاشية وتنطق باسمها وتنطق بلسانها!!