صاحب «السعادة» الانفجار!

تعرفت عليه شخصياً في بيروت قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ربما يعرفه الذين عاشوا في بيروت جيداً، ففي بيروت كان يمكن أن يتفضل (سعادته) ويقتل بالعشرات كل يوم. وعندما تعرفت عليه، كنت في الفاكهاني (كان بيتي هناك)، وكنت أحب فتاة صغيرة من عمري، ألتقي معها في المتجر الذي تعمل فيه، ويومذاك، أطل (الانفجار) عبر سيارة مفخخة فاخرة فاجرة، فأحرق وجه حبيبتي التي ماتت بعد نحو شهر!
انفجار السيارة هزني.. جعلني أبحث عن توازني طيلة الفترة التالية التي عدت بعدها سريعاً إلى دمشق باحثاً عن الأمان.. لم يتركني (صاحب السعادة الانفجار) وشأني، فقد شهدت دمشق في تلك الفترة انفجارات كثيرة، وكان من السهل أن أتعرّف عليه أكثر.. لكن سيارة بيروت المفخخة تركت في داخلي ذاكرة خاصة لها علاقة بالصوت عندما يتحرش بجسدك!
هذا الإحساس، عاد إليّ هذه الأيام، وللأسف في دمشق أجمل مدينة آمنة في التاريخ، ولأنني أعمل في الإذاعة والتلفزيون، ولا أفتري على أحد ولا أحد يفتري علي، تضايق (صاحب السعادة) الانفجار مني، وقرر الافتراء عليّ عدة مرات، كان آخرها صبيحة تفجيرات الأمويين الدامية!
يا للعار ! صار عندي خبرة بالانفجارات.
صار في مقدوري أن أحدثكم عنها، وعن الآثار التي تتركها في النفس. ولا يمكن لي أن أجد عبارة واضحة يمكن أن تنقل المعنى الحقيقي للانفجار إلا عبارة واحدة هي: (أنه يشبه وحشاً يراك ولاتراه.. وحشاً أسطورياً)!
هل راودكم هذا الشعور مرة ؟
إنه الخوف نفسه في درجة ما. أو الرعب عندما يكون أشد. والهلع عندما يقترب منك أكثر، والموت عندما تمزقك شظاياه!
والمفارقة أنني أقنعت نفسي أني لا أخاف، في حين أن الخوف شيء طبيعي وضروري أحياناً، لذلك عندما داهمتني موجات صوته في المرات الأولى، نهضت لأواجهه، وكأنه كائن مجسد. فأعادني بيديه القويتين وكأنه يحلف علي أن لا أقوم..!
في بداية الأجزاء الصغيرة من الثانية الأولى لوقوعه، تحسه يد ذئب تريد مداعبة جسدك العاري، فتتحفز وقد اقشعر بدنك، لكنك سريعاً ماتجد تلك اليد وهمية عندما يدوي ويهزك محاولاً اقتلاعك، كما تهز الريح شجرة نحيلة!
لا يمكن أبداً مزاولة التفكير في تلك اللحظة، لأن الجسد يكون قد انفصل عن هذه الآلية باتجاه آلية رد الفعل التلقائي، فتهرب أو تقع أو تهوي، وفي أحسن الأحوال تصطدم بمن هو بجوارك كما حصل معي في المرة الأخيرة!
يعود الوعي سريعاً، فتبحث عنه لتكتشف أنه اختفى وترك الطنين في أذنيك والأذى في جسدك، ونثر الزجاج من حولك.. عندما يعود الوعي، تناديك من الأعماق حبال التعلق بالغيب، فتهف: يالطيف. الله يحمينا!
يختفي الانفجار سريعاً، لكنه عندما يبعث لك بابنه، أي الانفجار الآخر، فهو يريد أن يعاتبك بقسوة، ويشتمك ويقول لك:
– ألم تمت بعد؟!
عندما أرسل بابنه في تفجيرات هيئة الأركان الأخيرة، وكان مبنى التلفزيون يهتز، لم أسمح له أبداً بمعاتبتي وشتمي.. قلت له متحدياً:
– وما تدري نفس بأي أرض تموت!

العدد 1140 - 22/01/2025