قصة شجرة الكلونيا في بيتنا.. مازالت زهور سورية تنبت!

أذكر الحادثة.. أذكرها، وكأنها اليوم..

كان في بيتنا القديم باحة صغيرة اسمها (أرض الديار)، وفي تلك الباحة شلال بناه أبي من حجارة حمراء طبيعية تدور المياه فيه لتصنع خريرها الرائع، ومن حوله مجموعة أصص للأزهار وحوض للخبيزة وشب الظريف والعطرة والمحكمة والحبق..

وكان في الحوض أيضاً عدة أشجار تعلو بثقة، ثم تعود وتحني رأسها بتواضع من فوقنا.. كان في الحوض شجرة مشمش، الأخرى أكيدنيا ودالية، وشجرة مجهولة النسب.

كانت أمي مصابة بسرطان الدماغ، وشرعت تفقد مقدرتها على النطق والتذكر والبلع، والسرطان يلتهم جسدها.. يومذاك دخلت إلى البيت كان ذلك عادياً بالنسبة لي، فهي، أي أمي، كانت تجلس قرب شجرة المشمش، وكان ثمة رائحة جميلة جداً تفوح من حولها، وهي رائحة عطر ساحرة لم تفح أبداً في البيت.

ظننت أن هناك إحدى الجارات تعطرت بعطر فرنسي غال قبل أن تزور أمي، ولم يكن ثمة مايشير إلى ذلك، ورحت أخمن مصدر الرائحة، ثم قلت لأمي:

– ما أجمل هذه الرائحة!

ونسيت أن النطق يصعب عليها،، فردت أمي باختصار، وهي تبتسم:

– (هي الكلونيا)!

ولم أفهم قصدها، لكني فرحت لأنها تكلمت وابتسمت!

وعرفت فيما بعد أن الشجرة مجهولة النسب هي شجرة الكلونيا التي تفوح رائحتها مرة واحدة في السنة.

أتذكر الحادثة وكأنها اليوم، فقد أعلن رئيس منتجي الزهور في سورية عن معلومات جميلة تتضمن إقامة بورصة للزهور، وسريعاً جذبني الخبر:  (بورصة للزهور في سورية؟ الآن في قلب كل هذه الحرب والمآسي؟!).

وتذكرت رائحة الكلونيا..

وفي المعلومات الأخرى، تفاصيل أجمل، وتقول:

إنه صُدّر نحو 450 براد زهور ونباتات زينة إلى دول الجوار، بتكلفة تقريبية 20 ألف دولار للبراد الواحد، وبذلك تكون قيمة ما صدرناه حتى الآن نحو 9 ملايين دولار!

إذن سنرسل للعالم رائحة أجمل من كل تلك الروائح الدموية التي يبعثون بها إلينا.. إذن.. نحن قادرون على إنتاج الزهور.. يالها من زهور جميلة زهور سورية، وعلى العالم أن يتعرف عليها جيداً عندما يتجاوز السوريون محنتهم!

يا الله!

العدد 1140 - 22/01/2025