الحنين إلى الوطن! مشاوير الذاكرة..

بين فترة وأخرى، أجلس وحيداً أستعيد الكوابيس التي مرت على بلادنا، فمن يصدق أن سورية عاشت هذه الكوابيس؟! من يصدق أن كل هذا الدم سال على أرضها، وكل هذا الخراب حل بحضاراتها، وكل هذا الرماد تركته الحرائق المتنقلة من هشيم إلى هشيم في أرجائها؟!

من يصدق أن السوري لايزال واقفاً؟!

السؤال طبيعي: من يصدق؟!

فالمعجزة تشبه ألسنة اللهب تحرق اليد ولاتستطيع اليد أن تمسكها!

في ذاكرة الحروب كتاب جميل اسمه (دمشق تحت القنابل) لكاتبة فرنسية معروفة، عاشت في دمشق أيام الاستعمار الفرنسي في سورية.. تلك الكاتبة وصفت فيه حال السوريين وهم يقامون إرهاب الاستعمار الفرنسي بجبروت قل نظيره في العالم، والشهادة من تلك المواطنة الفرنسية في كتابها ذاك تحمل أكثر من معنى، لكنها تفتح أيضاً على تجارب الشعوب في التعامل مع مثل هذه الظروف..

ذلك حصل في فيتنام، هل تذكرون فيتنام؟!

كم تحملت هانوي نتيجة القصف الأمريكي بطائرات البي 52؟..

كم من القنابل الثقيلة كان يتحمل الفيتنامي ليموت؟!

كم غارة يحتاج القمح الفيتنامي لتنهار سنابله؟!!

كم مدفع تحتاج العصافير لتتوقف عن الزقزقة؟!

الجواب على كل سؤال عجزت عنه  تلك الطائرات الأمريكية الضخمة وهي تلقي قنابلها فوق الناس!

نعم تعجز.. لأن الفيتناميين.. لأن الفيتنامي.. كان يعرف أن قدره هو أن يصمد، وبين الصمود والموت جدار من أقوى جدران التحمل أعطاه الله للإنسان ليواجه بطش الإنسان نفسه الذي لا ينفك يقلد الوحش كما تفعل كل الوحوش اليوم بسورية والسوريين!

كان الفيتنامي ينهض صباحاً.. كما تلاحظون العبارة ناقصة..

لم تكن هانوي تنام لكي تنهض صباحا أيام الحرب. لكن الفيتنامي كان ينهض.. ليس من نومه، وإنما من قدره ليزرع وبحصد ويطحن ويصنع الخبز، ثم ليعود في نهاية المطاف إلى الحرب التي لاتنفك تقتحم نومه وخبزه وقمحه وحقله ومغارته التي حفرها ليختبئ فيها من غارات الأمريكان.. تقتحمه الحرب حتى وهو يرسم زهرة هانوي العظيمة!

ذلك حصل في فيتنام؟! فما الذي يحصل في سورية؟!

ينهض السوري صباحاً.. يغسل وجهه بحب الوطن، يغني له:

تراكم سمعتم غناء السوريين للوطن؟!

يا الله ما أحلاها.. تشبه غناء القمح للأرض الخصبة في مواسم الأمطار..

العدد 1136 - 18/12/2024