الموسيقار سهيل عرفة.. عندما يدخل الإذاعة!

كل من يعرف الفنان سهيل عرفة يحكي سريعاً عن فنه الجميل وعن روحه المرحة، وعن تواضعه الأخاذ، لكن أجمل مافيه هو أنه لا يتردد أبداً في القدوم إلى الإذاعة بين فترة وأخرى، وكأن هذا البناء الساحر أضحى جزءاً من ذاكرته، أو حتى جزءاً من روحه.

يدخل الفنان سهيل عرفة إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون هادئاً، واثقاً في مشيته، سعيداً بمن يلتقيه.. يعرف أن بإمكانه الدخول إلى أي مكتب من المكاتب ليستقبل بترحاب..

تراه شارداً أحياناً، وكأنه يعد السنوات التي مرت على احتضان إذاعة دمشق لفنه وللفن العربي عامة والسوري خاصة، وكأنه يحسب مقياس الشهرة والزمن الجميل على مقياس إذاعة دمشق!

تستوقفه، وتسأله:

– كيفك أستاذ سهيل؟ طمنا عنك؟

فيهز رأسه ويرد مطمئناً بابتهاج، ودائماً في جعبته رأي أو انطباع عما ترسله الإذاعة من برامج، وعما يبثه التلفزيون من أعمال، أي إنه متابع جيد للمؤسسة التي احتضنته كل تلك السنين التي مرّت!

عندما أطلق عليه المخرج الراحل نذير عقيل لقب (الموسيقار)، كان سهيل عرفة (موسيقاراً) بالفعل، وحتى قبل أن يتم تداول هذا اللقب..

شغلتني طويلاً موسيقاه الساحرة، التي قدّمها ذات يوم لبرنامج (استوديو 26) الذي كان يعدّه ويقدمه نذير عقيل، كنت أنصت إليها، وهي تفوح من الراديو كعطر إذاعي أخاذ، وأسأل نفسي:

– (هل سيأتي اليوم الذي تمتزج فيه هذه الموسيقا بنص أكتبه أنا)؟!

كان ذلك حلماً، ولم أكن أجد جواباً.. كان يضيع سؤالي في شوارع المدينة التي أحبها، أي دمشق، وكانت قصاصات الورق التي أحملها في جيبي وقد امتلأت بالقصص والأشعار.. كانت تلك القصاصات تحلم بنوتة صغيرة للفنان سهيل عرفة تعزف لها لتعطيها شهادة أحلى الكلام..

قبل أيام شاهدته في أحد أروقة الإذاعة.. هو الذي استوقفني هذه المرة.. قال لي مطرياً: أشعر بالسعادة عندما أسمع خواطرك التي تبثها إذاعة دمشق!

قلت له: هذه شهادة، فهز رأسه.. وقال:

– أنت تكتب بصدق!

تلك هي المسألة التي تعجب الفنان السوري: الصدق؟!

هل نحن صادقون مع أنفسنا؟!

سؤال مهم جداً، ولكن طرحه من قبل فنان كبير هو الموسيقار سهيل عرفة يحملنا مسؤولية كبيرة..

نعم ينبغي أن نكتب بصدق..

إن الصدق هو أهم مرتكزات العمل الفني الناجح، وسريعاً ذهبت في ذاكرتي إلى استوديو 26 ونذير عقيل رحمه الله، واستعدت منها موسيقا أحلى الكلام، وقلت بثقة:

كانت ناجحة لأن سهيل عرفة صاغها بصدق!

العدد 1140 - 22/01/2025