هجرة القلوب إلى القلوب.. القلب ذلك الوعاء الأسطوري للمحبة!

كثيرون سيتذكرون أن مسلسلاً يحمل هذا الاسم مر على شاشات التلفزيون، فشاهده كثيرون وأحبوه، ولكاتبه الروائي الراحل عبد النبي حجازي حق استئذانه باستخدام هذا العنوان الجميل الذي خطه قلمه ذات يوم من تسعينيات القرن الماضي، لكنه توفي ولم يعد موجوداً، ومع ذلك ترك لنا حقيقة أن القلوب عندما تهاجر إلى القلوب، فإنها تطرح قمة الأسئلة عن المحبة ومعانيها الكبيرة في كل لحظة من لحظات حياتنا!

كانت علاقة الإنسان بالأرض علاقة تشبه اللغز، فالأرض عندما تعطي ترسم ملامح زاهية للحياة عرف الإنسان أهميتها على مر الزمن، وهناك حضارات كثيرة قامت على الزراعة وعلى المياه المتدفقة إلى جانب الحقول، وما كانت هذه الحضارات لتقوم لو لم يكن الإنسان قد وطد علاقته مع الأرض!

أما عندما يسيطر الجفاف، وتتحول الأرض إلى مجرد مساحة بور لاتقدم تلك الملامح الزاهية، فإن الهجرة هي العقاب لها، هكذا تعلمنا من التاريخ، لأن الإنسان في طبيعته يبحث عن أماكن الخصب والاستقرار، والهجرة من أماكن الجفاف والحرب والموت..

اليوم، لم يعد الإنسان بحاجة إلى هذا النوع من الهجرة، فالدول والحضارات والتطور الكبير في حياتنا صنعت بدائل جعلت بالإمكان أن يبقى الإنسان في الأرض حتى ولو سيطر عليها الجفاف، وبين هذين المفهومين يظهر العنوان الكبير للانتماء الذي هو (الوطن)، فيكسر كل المفاهيم التي سبقته، ويعلو عليها باعتباره مفهوماً مقدساً من مفاهيم العيش التي ترافق الإنسان في حياته!

يرتبط القلب بالأرض عندما تصبح (وطناً)، وتنمو معه مجموعة قيم لابد من الوقوف عندها، من بينها: التضحية من أجل الوطن، والارتباط أو الانتماء إليه، وأيضاً هناك قيمة كبرى تجمع بين التضحية والانتماء هي: الشهادة!

ومن البديهي عندما يكون هناك ارتباط مع الوطن ودفاع من أجله واستشهاد في سبيله، فإن هذا يعني أن هناك متضررين وأعداء وطامعين يتطلعون إلى إلغائه، وأن هؤلاء لاتروق لهم كل تلك القيم التي تنمو في أرض الوطن كما ينمو العشب في مواسم الخير، وهؤلاء يعملون لتغيير جوهر وحدة المجتمع، فيشعلون فيها البغض والكراهية والفتنة والخوف، ومن أجل ذلك نحن بحاجة إلى المحبة..

وكما نعلم، فإن القلب هو الوعاء الأسطوري لهذه المحبة.. وفي مجموع القلوب التي تشكل بنية الوطن تكبر المحبة، ويقوى الجسد الذي يقاوم كل محاولات تهشيمه وتدميره..

إن إشعال القلوب بهاجس المحبة هذه الأيام، هو هاجس وطني رغم أن الحرب قد شرعت تأكل الأخضر واليابس دون رحمة!

العدد 1140 - 22/01/2025