قبلات حنا مينة السبع!

 بقيتْ سبع سنوات، ليطوي الكاتب الكبير حنا مينة عقداً كاملاً من حياته في التجارب الحلوة والمرة، وحقيقة.. لا أعرف أنا، وكثيرون غيري لا يعرفون، ما الذي جرى لحالته الصحية في هذا العمر، وكيف يعيش حياته اليومية، فهل يقرأ أو يكتب أو يستعيد ذاكرته؟..

عندما شاهدت الشاعر الكبير شوقي بغدادي قبل أسابيع يمشي، ولو متعباً، عند قصر الضيافة بدمشق تفاءلت خيراً، فشوقي أصغر من حنا بأربع سنوات، وهذا يعني أن حنا يمكن أن لا يكون قد وصل إلى حالة صحية صعبة يسمونها أرذل العمر، فيعاني منها وتعذبه السنون أكثر مما عذبته الحياة!

ولأنهما قامتان كبيرتان في الثقافة السورية، نتطلع نحن في سورية إلى حنا مينة وشوقي بغدادي باهتمام كبير، ونسأل دائماً عن الآليات المتبعة في التعامل معهما أو مع غيرهما من القامات الكبيرة، بعد سنوات الحرب الصعبة التي مرت على البلاد، فأحرقت كل شيء من حولنا..

والغريب أنه، ورغم ذلك، فإن المسؤولين عن الثقافة عندنا لا يبذلون الكثير من الجهد في التعاطي مع هذه الحالات، فيكفي أن يلقي كل واحد منهم كلمة خطابية يعطي شهادة (حسن سلوك) لحنا أو لشوقي، وصلى الله وبارك!

وهذا لايناسب رد الجميل لكتّاب يمكن وصفهم بكتّاب وطن!

أذكر جيداً كيف جرى التعامل مع الشاعر الراحل محمد الماغوط، عندما انكفأ في بيته يطوي أيامه الأخيرة.. آنذاك زاره وزير الإعلام وطلب إنتاج مسلسل له يقوم هو بكتابة أفكاره فقط، وهكذا أنتج التلفزيون مسلسلاً يحمل اسم (حكايا الليل والنهار)، في محاكاة ضعيفة وهزيلة لمشروعه الأول (حكايا الليل)، واكتفى التلفزيون بذلك، ومات محمد الماغوط فيما بعد، ولم نعد نسمع باسمه رسمياً!

أعادني يوم التاسع من آذار عيد ميلاد حنا مينة إلى اللقاء اليتيم بيني وبينه، لقاء استمر لدقيقة واحدة فقط، قبل عشر سنوات، فقد وقفت للترحيب به عند باب الاستوديو في تلفزيون الدنيا الذي كنت مديراً لبرامجه، وعند وصوله حيّيته، معرّفاً باسمي، فلم يهتم ومضى إلى الداخل عدة خطوات، ثم ما لبث أن توقف ليتأكد من اسمي، وعندما تأكد أنني أنا الذي يكتب في صحيفة (النور) زاوية أسبوعية، أمسكني من رأسي وراح يقبلني أمام الجميع، وهو يقول:

– أقرأ ما تكتبه بمتعة واهتمام!

كانت تلك شهادة كبيرة منه، وظللت أتخيل المشهد دائماً، وخاصة عندما أمسك القلم لأكتب شيئا ما، وأنا أحسب حساباً لتلك اللحظة التي قد يقرأ فيها كلماتي حنا مينة، هل تعرفون معنى أن يقرأ حنا شيئاً لكاتب ما ويعجب به؟

إنه معنى قد لا يخطر ببال أحد من الناس هو أن ذلك الكاتب قد يصل في لحظة ما إلى اتخاذ قرار خاص بالتوقف عن الكتابة، لأنه قد يعجز عن كتابة شيء ما يليق بقراءة حنا مينة له، وخاصة أن حنا يطرق باب المئة سنة بعد أن أمتعنا بكل ما كتب عبر السنوات الطويلة التي عاشها ويعيشها بيننا!

(نشر هذا المقال في موقع بوابة الشرق الأوسط مع صحيفة (النور).

العدد 1140 - 22/01/2025