تواصل اجتماعي

للحياة روتينها اليومي الممتلئ، وامتلاؤه يشكل اعتياداً قد يكون مملاً أو مسلياً.. وهي هكذا لدى باسل الذي يستيقظُ كلَّ صباحٍ حاملاً نشاطه وشبابه وجهده ليبدأ بحرث أرضه وزراعتها والعناية بها، وما إن ينتهي حتى يبدأ الاهتمام بأصدقائه ليساعد في حلِّ مشاكلهم لدرجةِ أنهُ يقضي معظمَ أوقاتهِ معهم، محاولاً جهدهُ إدخالَ السعادةِ إلى قلوبهم عن طريقِ المرحِ والفكاهةِ وسرعة البديهةِ مع الحِكَمِ والمقولات التي تغذي عقولهم وتطمئنُ نفوسهم. وقليلاً ما يجدُ باسل الوقتَ لنفسهِ ، ليأكلَ ويشربَ، حتى يكادُ ينسى نفسه.

صار لدى باسل أصدقاء كُثر، ومحبّون أكثر، والراغبون في صداقته بازدياد ومن كل أصقاع المعمورة، فهو ذائع الصيت.. الكل يتحدث عن باسل وهمته وحبه للمساعدة وكرمه وروحه المرحة.تلك الحياة التي تأخذنا بكل ما فيها وفينا من وقتٍ وجهدٍ وأرقٍ وكذبٍ وخيالٍ ووهمِ علاقات… هي الصفحة التي تأخذ بعضنا لمكان آخر من صفحات الحياة، صفحة العالم الافتراضي.توهمنا كثيراً من الأحيان أنها أوجدت لنا صديقَ عمرٍ أو رفيقَ دربٍ.. والحقيقةُ أنها تأخذ منا حقيقة لقاء الناس ولغة العيون ونغمَ الصوت. باتت تَعيشنا، تَأخذُ أنفاسنا، تُبكي عيوننا، تقرأ سطورنا، تسيطر على أيامنا… فنستيقظ على أيام انقضت.

لا ننكر أن لصفحة التواصل الاجتماعي فوائد جمّة، فقد استطاعت أن تعرّفنا بأشخاصٍ كُثر، وتعطينا إذنَ الدخولِ إلى عوالمهم التي قد تكون مفيدةً لنا حقاً، مساهمةً في بناءِ وتنويعِ أفكارنا، أفسحت لنا تلك الصفحات الفيسبوكية التعبيرِ عن وجعِنا لما يحلُّ بالوطن، أو عن جروحِنا في الحبِّ وفشلنا في بعضِ الصداقات، وتجعلنا مساهمين أحياناً في نشر أفكارٍ مفيدة ومواضيع مهمة،  إضافةً إلى أنّها فتحت لنا آفاقاً معرفيّةً كثيرةً يمكننا استغلالها على نحو إيجابيّ ، علمياً وفكرياً وثقافياً وحتى ترفيهياً.

نعم، إنها جيدة في مكان ما، لكن علينا، على ما أعتقد، أن نعرف كيف نستخدمها، وأين يجب أن نضع لها حداً في حياتنا، وأنه بإمكاننا حقاً اكتشاف الناس نوعاً ما عن طريق كتاباتهم وصورهم ونمط معيشتهم وأسلوب تفكيرهم، لكن دون أن يغنينا ذلك عن التواصل المباشر معهم. هناك تناقضٌ فينا وفيها من خلالها، ويجب علينا وضعَ حدٍّ لنا ولها في حياتنا. علينا أن نعلمَ أنّ للناسِ في الواقعِ روحاً أخرى، وللكتابِ الملموسِ عالماً مبدعاً آخر، ولهواءِ الطبيعةِ نبضات تجعلنا نحيا، أما نقاش الناسِ والتناغم معهم فهو قلبُ عقولنا وحياتنا.

شخصيّاً، أفضل إضافة شخصٍ بدمٍ ولحمٍ إلى حياتي لا يكونُ رقماً من صورةٍ وبوستات، أرغب في سماعَ صوتٍ أفهمُ مكنوناتهِ وحقيقتهِ عن صوتِ رنّةِ التشات المتشابهة في كل نوافذ الكلام التي تجبرني أن أضع في حوار الشخص شيئاً مني لا منه من باب حسن النية… (أعجبني.. تعليق.. مشاركة).

العدد 1136 - 18/12/2024