السويد: العنتريات والهرولة نحو الحرب!

طلال الإمام- السويد:

مع اختفاء مفردات السلام، الحوار، وحل الخلافات الدولية بالطرق السلمية، في مختلف وسائل الإعلام السويدية، تتصاعد وتتسارع خطوات الحكومة السويدية نحو التجييش للحرب والانخراط في أجندات لا تخدم مصالح السويد، مع السعي إلى إقناع الرأي العام بأهمية وضرورة الانضمام إلى حلف الناتو العدواني.

لقد انضمّت السويد إلى الناتو متجاهلةً مطالب شعبية بضرورة إجراء استفتاء عامّ لهذه الخطوة التي أنهت مئتَيْ عام دون حروب، وهي خطوة وضعت السويد في قلب صراعات إقليمية ودولية، مع تخلّيها عن المبادئ السلمية التي التزمت بها سابقاً. لقد أفقدت هذه السياسة السويد ميزةَ لعب دور وسيط في النزاعات، وحوّلتها إلى طرف وهدف في أيّ نزاعٍ إقليمي أو دوليّ.

اللافت أن الحكومة السويدية تتابع حملة التجييش والتخويف من وقوع حرب عادية/ نووية، وتشمل هذه الحملةُ المدارسَ وهيئات المجتمع المدني، فضلاً عن الأحزاب السياسية والمواطنين عموماً، مستخدمةً وسائل مختلفة من أجل صيد عدّة عصافير بحجر واحد: تبرير الانضمام إلى حلف الناتو العدواني، زيادة ميزانية الحرب، إرسال أسلحة إلى مناطق النزاع في أوكرانيا وسواها، إرعاب الناس من عدوّ مفترض، مع تنفيذ أجندات أمريكية/ أطلسية، ويترافق ذلك كلّه مع تصاعد النزعات العنصرية والفاشية في المجتمع.

استمراراً لتلك السياسة، يجري الآن توزيع كتيّب، بملايين النسخ، على جميع البيوت في السويد، أصدرته هيئة الطوارئ المدنية السويدية، تحت عنوان (كيف تتصرف في حالة حدوث أزمة أو حرب). يتضمّن هذا الكُتيّب إرشادات حول كيفية التصرف في حال وقوع كارثة طبيعية أو نشوب حرب. ويتناول كيفية الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة النزاعات العسكرية، الحوادث الخطيرة، الظروف الجوية القاسية، الهجمات السيبرانية، وحتى الحروب النووية.

نعم، لم تعُد السويد بلداً محايداً، لقد أصبحت عضواً في أكبر وأخطر حلف عسكري في العالم: الناتو.

السؤال الذي يطرحه العديد من المراقبين: ماذا تجني السويد من قرع طبول الحرب وإرعاب الناس وكأن الحرب ستقع غداً؟ وما دور المجمّع الحربي في هذه السياسة؟ فمن الملاحظ أن الحكومة الحالية تزيد ميزانية الحرب وكأنه لا يكفيها تبعات الانضمام إلى حلف الناتو، الذي يفرض على الأعضاء تخصيص نسبة 2 في المئة من الدخل الوطني على أقل تقدير لحاجات العسكرة.

يلمس المواطن السويدي أن زيادات ميزانية العسكرة تكون على حساب غلاء تكاليف المعيشة بشكل متزايد وسريع، إضافة إلى تآكل الميزات التي تمتّع بها المواطن سابقاً في مجالات الصحة، والتعليم، والبيئة.

كان يُطلق على السويد بلد/ مجتمع الرفاهية الزائدة، لكنْ، مع السياسات المتّبعة منذ تسعينيات القرن الماضي، في مجالات الخصخصة، وأمركة المجتمع، والتخلي عن استقلالية القرار الداخلي والخارجي، يتدهور وضع البلد والمواطن بصورة سريعة (ملاحظة: الحديث يدور عن مقارنة وضع السويد في أعوام الخمسينيات حتى التسعينيات، ووضعها الراهن، وليس مقارنة السويد ببلد آخر).

لقد ابتُليت السويد بحكومة تهرول نحو حتفها، لدرجة تجعل المرء يشعر أنها سبقت أمريكا في العسكرة وعنتريات الانخراط في أجندات ليست في مصلحة المواطن والوطن.

نعم، يأتي هذا الكتيّب الأنيق والمُكلِف، الذي يوزَّع مترافقاً مع حملة تجييش وإخافة الناس من حرب على الأبواب، ليشكّل قفزةً فوق الحاجات الأساسية للوطن والمواطن.

إن هذه السياسة تهيّئ الأرضية لاتساع الفرز الطبقي، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، وتصاعد الجريمة المنظمة والنزعات العنصرية. وتغمض الحكومة عينيها عن هذه المشكلات، وتزيد من الدعم المادي والعسكري لمناطق النزاع في أوكرانيا وغيرها تنفيذاً لأجندات العمّ سام والناتو.

الحكومة السويدية الحالية وسياساتها الداخلية والخارجية تصلح نموذجاً لحكومة تهرول نحو حتفها برجليها، وبوتيرة متسارعة.

السؤال: إلى متى؟ والسؤال الأهمّ: ما العمل؟

العدد 1140 - 22/01/2025