أيَّ سلام تنشدون ونحن كائنات تتقاذفها رياح القلق والخوف؟!
إيمان أحمد ونوس:
منذ أن أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل لم تنعم البشرية يوماً بسلام حقيقي، فقد أظهرت هذه الحادثة نزوع النفس البشرية للشرّ إذا ما مُسَّت مصالحها الشخصية، أو حرّكها الطمع والرغبة في المزيد من الامتلاك والاستئثار بخيرات وحقوق الآخرين.
واليوم ونحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد من عمر هذه البشرية التي وصلت إلى مستويات رفيعة من صياغة القوانين الأممية الساعية والداعية للحفاظ على حقوق جميع البشر بلا استثناء، فإننا لا شكّ نعرف أن هناك تناسباً عكسياً ما بين واقع البشرية- لاسيما الدول الضعيفة والمتخلّفة المحكومة بإرادات خارجية واستبداد داخلي- وما بين تلك القوانين والأعراف الدولية التي لم تلقَ يوماً سوى الاهتمام والصخب الإعلامي لا أكثر، ذلك أن الدول التي صاغت تلك القوانين ودعت إلى تلك الاحتفاليات الدولية هي ذاتها من تخرق قواعد الحقوق والسلام والسلم الدوليين، فغالبية الشعوب تعيش حالة من القلق والاضطراب الدائم على لقمة عيشها ومصيرها، خاصة مع تنامي وتزايد التوحّش الرأسمالي لهذه الدول التي تصادفها ما بين الحين والآخر أزمات مالية واقتصادية خانقة توشك أن تأتي على كل منجزاتها، فلا ترى خلاصاً لها سوى بشن المزيد من الحروب أو باختلاق الأزمات الوبائية والبيئية التي تنشرها في مختلف بقاع الأرض سعياً للخروج من شرنقة أزماتها والسطو ما أمكنها على خيرات الشعوب المُستضعفة المحكومة بإرادتها بشكل مباشر وغير مباشر.
لقد حدّدت الأمم المتحدة يوم 21 أيلول من كل عام يوماً دولياً للسلام العالمي، لكن هذا السلام اليوم بات مُهدّداً أكثر من أيّ وقت مضى في ظلّ المجريات الدولية والحروب المنتشرة في مختلف بقاع الأرض نتيجة السياسات آنفة الذكر والمصالح الدولية التي لم تأبه يوماً لا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا للسلم والسلام الذي تنشده تلك الشعوب، وبدل أن تصل بالبشرية إلى مستوى لائق من التطور الاقتصادي المؤدي إلى الرفاه أو الاكتفاء المادي أو المعيشي، وبالتالي إمكانية تحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية، سواء بين الدول، أو في الدولة الواحدة ما بين الأنظمة ومواطنيها، إلاّ أننا ما زلنا نشهد صراعات وعنفاً رهيباً ما بين الأنظمة ومعارضيها، مثلما نشهد ونعيش صراعات وحروباً تنتهك في كل لحظة ليس فقط حقوق الإنسان بل وسيادة الدول ذاتها مُعرّضةً السلام العالمي للانهيار، حتى باتت غالبية الشعوب الواقعة في بلدان ما زالت ضمنياً تحت نفوذ وسيطرة الدول الاستعمارية بشكل غير مباشر(الدول العربية)- ويؤسفنا القول إن هذا النفوذ والسيطرة صار اليوم مباشراً وبفجاجة- هذه الشعوب باتت مُعرّضة للموت المجاني والدمار الهمجي لمجمل مظاهر الحياة دون أدنى اعتبار للإنسانية، في خرق فظيع ومروّع لكل مواثيق الأمم المتحدة وأعرافها واحتفالياتها برمتها.
لا شكّ أن هذا الواقع يجعل أولئك البشر في حالة قلق وتوتّر ورعب دائم يغتال طمأنينتهم وسلامهم الداخلي مثلما اغتال سيادة أوطانهم وسلامها وأمنها، ما سيبقيهم في دائرة التخلّف، بل والانحدار أكثر باتجاه الغرائزية وطغيان الأنا العليا البعيدة كل البعد عن سمات الإنسانية الحقيقية التي تفرضها الحضارة والحداثة التي لا نعرف منها سوى القشور غير الصالحة حتى لتغطية هذا العُريّ المُخزي الذي نعيشه كل لحظة في ظلّ انعدام مختلف مقومات الحياة الإنسانية بأبسط أشكالها، فصرنا أشباه كائنات تتقاذفها رياح القلق والرعب والخوف من القادم المجهول.. فأي سلام يريدون لنا الاحتفال به؟!