عن الحب والسنديانة الحمراء
فادي إلياس نصار:
تحية إلى روح الرفيق (إلياس نصّار) في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري
بصمتٍ تجتاحني القصيدة
بصمتٍ، بصمت
فأرمي عليها قميص يوسف
كي تشفى من الشوق.. ووجع الذكريات
وأمضي في عباءة الصبر.. وحيداً.. متشفّعاً باسمكَ
يا أبي!
* *
كان يا ما كان
كان القلب طفلاً
ينام في حضنك..
وكنت أجدني قدّيساً يحمل بيديه مفاتيح السماء
وكانت عيوني بحراً.. يمشي إلى أزرق عينيك الكحلي.. ليكتب مواويل من خبزٍ وملح
وبعضها من ماء
* *
كنا نعتّق الخمر في السياسة
نشرب نخب الناس، مع الناس
نُعتّق المبادئ.. في أواني الإنسانية العميقة
فنروي من كروم الفكر ظمأ العشاق.. للحرية
وكنت تقول:
هاتوا الكؤوس للشعب نُترِعها!
* *
كنت وكنّا
تحكي لي حكاية (الفادي)، فأصرخ: هذا اسمي!
تنمو الحكاية
فأنام بين الكلمات
باحثاً عن مفاتيح حلمي
وأبحث لي عن رسلٍ وأنبياء..
تجلب لي من الموت أمّي
وأبكي
كنت توقظني: (يا زلمي!)
الرجال لا يبكون
فأصحو من دمعي
أصحو على شرحك ألف باء
الشيوعية
أصحو فوق جذور السنديانة القوية
أصحو
فيأتي الرفاق
يصدح الشيخ إمام
وشوقية
تُرفع الراية حمراء.. تلك كانت القضية
* *
كانت البدايات
لذيذةً، مؤلمة.. هي البدايات
وأنت فيَّ، بداية الحبّ.. الرجل المثال
(الدومري) الذي يضيء الشمس للأجيال
في البلاد الرهينة.. الليل كالجبال
وكنت تفلح العقول وتبذرها.. فلاحين، طلبة وعمّال
* *
وأنت
نجم ليالي الزمن الجميل
فرح الأهل والخلان
حارس نداء فرج الله الحلو
أنت الأمل
رُشّ ملحَ حبّكَ على جراحنا.. طهّرها
علِّمها الأمل.. أنتَ البطل
كنتَ وما زلت وستبقى
تٌحرك القلب كل يوم باتجاه اليسار مرةً،
وباتجاه الخير ألف مرّة
وأنتَ الذي
باسمك كل القلوب بالخير نزرعها
* *
كان يا ما كان
في بيتنا العتيق
غرفةٌ كبيرة، مكتبةٌ تحت قبّة
خيمةُ ثقافةٍ
موسيقا وكؤوس وسياسة
مدرسة كرمٍ ومحبّة
مكتوبٌ على بابها:
أيها الفقراء..
الأصدقاء
الرفاق الأحباء
لكم الصدر ولنا العتبة
مدهونة شبابيكها.. بالأحمر (أشرف الألوان)
في صدرها أيقونة للعذراء مريم
وتحتها غيفارا والزعيم لينين
فقط كان ينقصها صورة للكعبة
كونيةٌ.. تلك الغرفة
* *
الغرفة القِبلية.. للحزب
تقول أمّي
دافئة جميلة.. تعشق ترابها حبّةً حبّة
تتنفس من حجارتها رائحة العرق البلدي وطعم الكبّة
فيها اجتمع الرفاق
قرؤوا: البلاد تغلي
والشعب تحت النير
كل يوم ألف لعنة ومسبّة
فكتبوا:
أبانا الذي في السماء
الفقراء لا يأكلون سياسة، ونظريات
لا يشربون خطابات، ولا يُلبِسون أولادهم تصريحات
لا يرسلون أبناءهم إلى مدارس الأحزاب والتنظيمات
الفقراء.. أعمدة الوطن الذي ماتوا في سبيله، بالمئات
رحل الرفاق.. بصمت
صارت باردةً الغرفة، فقط ذكريات
* *
أيوب مات
لكن الحزن مُتمترسٌ هناك على مشارف مدينة القلب، فرسه الأيام، وسيفه الوجع
يشنّ معارك في ذكراك الخضراء..
هل تعلم يا أبي
أن القلب أصبح بيدراً.. سنابله من فرحٍ وحزن
يحصدها الشاعر في قصائد الرثاء
أبجد هوز.. حبّي كلّه لك يا أبي!
أيها القصيدة التي كبرنا
وعلمنا
كيف بالحب على جدران الوطن نكتبك
* *
كان يا ما كان
وكنت عن الحب أكتب
أعيشه
أقع فيه ألف وقعةٍ.. وأنهض
كتبت للصبايا، للورد
عن الموسيقا،
الأشخاص والأفكار
عن الضائعين بين الوهم والحقيقة
عن كل شيء.. إلا الحزن
وكان اسمك في كل مرة
يهزم القلب
بطوفان الذكريات، يهزمه
بأسماء الرفاق، يهزمه
بصوت الأصدقاء، يهزمه
بدموع أمّك (جدّتي) وأمّي يهزمه
يهزمه مرّةً مرّتين
فأستسلم وأعود لأستظلّ بروحك وذكرياتي
أضع يدي الصغيرة في يدك
أشعر أني ملك العالم
يختنق صوتي بالدمع
ترضيني بقُبلة وتقول:
أنت عيوني التي بالحب أملؤها
* *
يا رفيق إلياس
مئة عام أصبح عمر حزبك
تقول: العمر ليس حقلاً يُقاس بالقصبات
ولا هو بحراً يُقاس بالأميال
إنه نبض القلب الحيّ!
نعم يا رفيق.. إنه القلب
وأنت كلّ قلبي
أيها النبيل!
فطوبى لك ولاسمك وعمرك يا شمساً تُنير قلوبنا
السلام لك، وعليك السلام.. اليوم وإلى أبد الآبدين!