مشاهدات افتراضية!

طلال الإمام_ السويد:

المشهد الأول

نحن الآن_ افتراضياً_ في فترة الحرب العالمية الثانية اي بين عامي 1939-1945 في هذه الفترة زهقت أرواح 40 مليون مدني و20 مليون جندي نصف العدد من الاتحاد السوفيتي.

في هذه الفترة احتلت  ألمانيا الهتلرية عدداً من البلدان الاوربية، دمرت وأحرقت مدناً وقرى بأكملها، دمرت القاعدة الصناعية للبلدان،  قتلت نساءً، وأطفالاً عدا الذين فقدوا مسكنهم ومصدر رزقهم. ارتفع عددٍ الأرامل والأطفال اليتامى، وبكلمة شهدت أوربا بشكل خاص كارثة اقتصادية، اجتماعية، واسعة.

في النهاية انهزمت النازية، انهزمت الهتلرية على يد قوات التحالف، وبشكل خاص بفضل بطولات الجيش الأحمر الذي رفع علمه على مقر الهتلرية معلناً هزيمتها. الى جانب تلك البطولات شهدت مختلف البلدان الأوربية التي احتلتها المانيا النازية مقاومة شعبية واسعة، ساهم فيها شيوعيون، يساريون، رجال دين، ووطنيون.

المشهد الثاني

نحن الآن في عام 2023-2024 بعد نكبة واحتلال فلسطين.. بعد أكثر من سبعين عاماً، تقوم قوات الاحتلال، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بشنّ عدوان واسع على غزة/ فلسطين، وتمارس إبادة جماعية همجية للبشر والحجر، راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 25 ألف مدني فلسطيني، منهم سبعة آلاف امرأة وثمانية آلاف طفل، اضافة الى قتل نحو 130 صحفياً، تدمير مدارس، مشافي، أحياء ومناطق سكنية بكاملها، الأمر الذي خلّف هجرة داخلية لسكان غزة تقدّر بأكثر من مليون مدني (90 في المئة من سكان غزة صاروا نازحين)، ومازال العدوان الصهيوني مستمراً.

لنفترض أن في المشهدين هناك من دعا أو يدعو إلى أن يلتقي الطرفان المتقاتلان في مكان مشترك للبحث عن وفاق؟ وفاق بين مَن ومن؟ حول ماذا؟ هل هذه الدعوةً قابلة للتحقيق؟ كيف؟ أليس في هذه الدعوة مساواة بين الضحية والجلاد؟ لو لم تتم مقاومة الغزو النازي آنذاك، لكُنّا حتى الآن نسعى للوفاق بين الطرفين وكانت أوربا والعالم تحت سيطرة الهتلرية. من جهتي لم أسمع لحداً حتى الآن يقول إن شعباً تحرر من الاحتلال بالوفاق او النقاش مع من يحتله.

من ناحية أخرى، لا نعني أبداً أن مقاومة الاحتلال اًو الظلم الحقيقي تتحقق بالتهور او بالأمنيات، بل تتطلب إعداداً جيداً وتوفير إمكانية الخلاص من محتل أو مستغل (بكسر الغين). من قال إن المناضلين لا يعشقون الحياة وأنهم هواة موت؟  إنهم يريدون حياة وأوطاناً حرة، وتضحياتهم هي من أجل ذلك، فهم ليسوا عشاق موت.. وتحت شعار (الشهادة أو النصر) انتصرت الشعوب على الهتلرية وانتصرت فيتنام والجزائر والعديد من الشعوب على محتلّيها.

نعم، في المنعطفات الكبرى تكثر النقاشات، وتتعدد الآراء، وهو أمر طبيعي وصحي شرط أن يكون من أجل تحقيق إنهاء الاحتلال ورفع الاضطهاد.

أخيراً أتمنى أن نترك للشعوب التي تعاني من الاحتلال اختيار الأسلوب الذي تراه مناسباً في مسيرة نضالها لتحقيق أمانيها دون أيّ استخفاف بشعاراتها وخياراتها مع تقديم كل شكل من أشكال الدعم لها، بدءاً من الكلمة. كلّ احتلال إلى زوال مهما طال وعربد .

العدد 1105 - 01/5/2024