معاهدة تعاون أم إذعان!

طلال الإمام – ستوكهولم:

مرّرت وسائل الإعلام السويدية منذ أقل من أسبوع خبراً يقول: (بينت استفتاءات الرأي تراجع اهتمام السويديين بالانضمام إلى حلف الناتو)، وعزت هذا التراجع إلى أن أخبار غزة_ فلسطين تتصدر الأخبار، وبالتالي تراجع الحديث عن بوتين، والخطر الروسي والحرب في أوكرانيا (يمكن أن نقرأ كيف يؤثر الإعلام على القطيع).

الآن يتبيّن أن أحد أسباب نشر تلك المعلومات هو تهيئة الرأي العام لخبر التوقيع على معاهدة عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والسويد، الذي جاء بعد عدة أيام فقط. السؤال الذي يتبادر للذهن فوراً: هل ملّت الحكومة السويدية التي تلهث وراء الانضمام للناتو من انتظار موافقة تركيا على طلبها، لذلك استعاضت بهذه المعاهدة؟ الجدير ذكره أن الكثير من المعلومات التي انتشرت مؤخراً تؤكد أن السويد كانت دوماً تتعاون بأشكال مختلفة مع حلف الناتو العدواني حتى وهي تعلن التزام الحياد في الموقف من الأحلاف العسكرية؟

ما هو مضمون الاتفاقية العسكرية التي وقعت بين السويد وأمريكا؟ حتما هناك بنود سرية لم تنشر، أما أهم البنود المعلنة فهي تتضمن:

أولاً – منح الولايات المتحدة حق استخدام 17 قاعدة، منشأة، منطقة تدريب عسكرية سويدية في جميع أنحاء السويد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

ثانياً -توفير دعم عسكري أمريكي للسويد دون الاضطرار إلى انتظار قرار مشترك من الناتو.

ثالثاً – توفر الاتفاقية للجنود الأمريكيين الذين سيوجدون فوق الأراضي السويدية حصانة تامة، بمعنى عدم خضوعهم للقوانين السويدية وإنما للقوانين الأمريكية فقط.

لم تُنشر معلومات أكثر تفصيلاً حول الاتفاقية مثل مدة سريانها؟ إمكانية فسخها؟ هل تتضمن نشر أسلحة نووية أمريكية في الأراضي السويدية؟ من سيدفع تكاليف المنشآت العسكرية المنبثقة عن المعاهدة؟ عدد القوات العسكرية الأمريكية التي سوف تنتشر فوق الأراضي السويدية؟ هل ستشارك القوات السويدية إلى جانب القوات الأمريكية في الحروب التي تشنها أمريكا في مختلف أنحاء العالم؟ تلك هي بعض الاسئلة وغيرها التي تحتاج إلى إجابة.

السؤال الأهمّ: من يحتاج إلى هذه الاتفاقية: السويد أم الولايات المتحدة؟ نعتقد أن السويد ليست بحاجة للناتو أو لهذه المعاهدة، وإنما الناتو وأمريكا من يحتاج إلى انضمام السويد للناتو أو لهذه المعاهدة، لماذا؟ الهدف واضح لكل مطّلع، ويتمثل في محاولة تطويق روسيا من الشمال والمحيط.. ونشر أسلحة نووية فوق الأراضي السويدية، وجرّ السويد للانخراط المباشر في الأجندات الأمريكية_ الأطلسية في مختلف بقاع العالم.

أخيراً، إن هذه المعاهدة وتبعاتها أو الانضمام للناتو سوف يؤثر سلباً على السويد من حيث موقعها العالمي الذي كانت تتمتع به سابقاً كوسيط نزيه لحدٍّ كبير في النزاعات الدولية، أما الآن فقد صارت طرفاً في أي صراع عسكري، اقتصادي أو سياسي. التأثير الأكبر للركض نحو عسكرة المجتمع سيكون على معيشة الناس والمكتسبات الاجتماعية والصحية التي حصل عليها المواطن السويدي سابقاً. إن كلفة العسكرة ستكون على حساب ميزانيات الصحة، والتعليم والخدمات الاجتماعية.

إن ثمن إغضاب الإمبريالية الأمريكية أقل بكثير من إرضائها.

الأمل الآن معقود على قوى المجتمع المدني والقوى الخيرة في المجتمع من شيوعيين، ويساريين ومناضلين من أجل السلام وهيئات المجتمع المدني، لوقف هذه الهرولة نحو الناتو وإلغاء هذه المعاهدة المجحفة والخطرة على مستقبل السويد والسويديين.

العدد 1105 - 01/5/2024