السقوط المدوّي للحضارة الغربية

د. صياح فرحان عزام:

تعتبر الدول الغربية نفسها دعاة حرية وديمقراطية، وأنها الرائدة في حقوق الإنسان والطفل والمرأة، علماً بأنها غزت الكثير من دول العالم، ومنها الدول العربية من خلال السفارات والمنظمات التي تتباكى على الحرية وتطالب بتوسيع قاعدة الحريات والحقوق من أجل السمو بالإنسان ورفعته وتقديم أفضل حياة له.

تدخلت السفارات وماتزال في القوانين والعادات والتقاليد الناظمة لحياة العرب بشكل عام، وتدخلت حتى في الأسرة (العلاقة ما بين الزوج والزوجة، وما بين الطفل وأهله)، وفي موضوعات اللباس والمعتقدات بذريعة الحرية الشخصية حتى وصل الأمر إلى تفكك أسري، كل ذلك بذريعة الحضارة!

إن هذا العالم الغربي (الدجال) بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية عينه لا ترى فلسطين منذ جرى احتلالها وإقامة الكيان الصهيوني الإرهابي فيها، ولا ترى المجازر اليومية بحق أبناء غزة، ألا يرى هذا العالم (الأعور) مدّعي المثالية والأخلاق الشفافة وقد كشفت عوراته ما يحدث في غزة؟

أليس أطفال ونساء غزة كما بقية أطفال العالم ونسائه؟

أليست هذه المعايير المزدوجة تكشف زيف ادعاءات هذا العالم الغربي الذي سقط سقوطاً مدوياً في امتحان الإنسانية، لأنه أولاً عالم عنصري، ولأنه ثانياً لا يرى إلا مصالحه الخاصة؟

لماذا هذا الاصطفاف الغربي غير المسبوق وراء الكيان الصهيوني؟ فمنذ السابع من تشرين الأول (بدء طوفان الأقصى)، تقاطر الزعماء الغربيون لزيارة الكيان، بدءاً بالرئيس الأمريكي، مروراً بالدمية رئيس وزراء بريطانيا، وانتهاء بماكرون، والحبل على الجرّار، فضلاً عن زيارات وزراء الدفاع والخارجية ومسؤولين آخرين، كل هذا كرمى عيون الإرهابي نتنياهو.

على الغرب أن يخجل من نفسه، إن كان قد تبقى لديه ذرة من الخجل، فكل ما يدعيه أنه يدافع عن الحريات وحقوق الإنسان والعدل هو ادعاء كاذب وستار لتغطية أطماعه ومصالحه الاقتصادية والسياسية.

إن ما يحدث في غزة من مجازر صهيونية ممنهجة برعاية أمريكا وحلفائها، يؤكد أن واشنطن وشركاءها في العواصم الغربية شركاء في القتل.

أكدت وكالات أبناء عالمية أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أخذ على عاتقه – بدلاً من نتنياهو- قيادة العملية العسكرية في غزة، ونقلها إلى عهدة القيادة المركزية الأمريكية (سينكوم)، ولذلك فإذا ما حصل اجتياح بري لقطاع غزة فهو اجتياح أمريكي.

بالطبع، هناك حوادث تاريخية قديمة ومعاصرة أظهرت كذب وزيف الغرب، منها ما جرى في فيتنام والعراق وليبيا وسورية، إلا أن عملية طوفان الأقصى في غزة جاءت لتعري الحضارة الغربية وادعاءاتها حول الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية من كل الأقنعة الزائفة وتكشفها على حقيقتها، فكما نرى أن الدول الغربية الاستعمارية قد خلعت عباءة الزيف، وظهرت أكثر فأكثر على حقيقتها الكاملة، ضاربة عرض الحائط بكل القيم والمبادئ الإنسانية، وتجاهله تماماً القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فهي تمد كيان الاحتلال الإسرائيلي بكل أسباب القوة لقتل أطفال ونساء وشيوخ غزة وحرمان الأحياء منهم من أساسيات الحياة كالماء والكهرباء والطعام والدواء.

إذاً، هذا الموقف الغربي من العدوان على غزة يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحضارة الغربية المزعومة قد سقطت إلى أسفل سافلين، وأنها حضارة زائفة تقوم على الكذب والعنصرية والإجرام والوحشية وكراهية الآخر.

إن القصف الإسرائيلي الهمجي حوّل أحياء كثيرة في غزة إلى ركام، ولو حدث ذلك في مكان غير غزة، أو أصاب غير أطفال غزة، لقامت الدنيا وما قعدت.

الخلاصة.. إن عار غزة سيلاحق الغرب حاضراً ومستقبلاً، وسيضيف نقطة سوداء قاتمة إلى سجله الحافل بالإجرام، ولكنه لن يهزم إرادة الفلسطينيين الأبطال.

العدد 1105 - 01/5/2024