زيادة أسعار المشتقات النفطية تلتهم زيادة الرواتب!

رمضان إبراهيم:

على وقع انهيار الليرة السورية المتسارع وتزايد معدل التضخم، أصدر الرئيس بشار الأسد، مساء الثلاثاء، زيادة على الرواتب والأجور والمعاشات للعاملين والمتقاعدين في الدولة بنسبة 100 في المئة، بالتزامن مع إصدار حكومته قرارات تقضي برفع الدعم وزيادة أسعار المحروقات بشكل كبير، في خطوة ستزيد من معاناة الأهالي، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة، وظروفاً معيشية مأساوية.

وتأتي هذه الزيادة بعد نحو عامين على آخر زيادة للرواتب والأجور، التي كانت في منتصف كانون الأول عام 2021، ودوماً ما ترتبط زيادة الرواتب في سورية بانخفاض أسعار الليرة لمستويات قياسية وزيادة التضخم، وهو ما يلقي بأثره على الأسواق التي تشهد تضاعف جميع المواد والسلع الأساسية، وخاصة المازوت والمواد التموينية، ما يتسبب في تعميق أزمات السورين المعيشية والاقتصادية.

وواصلت الليرة السورية هبوطها أمام الدولار، وخسرت أكثر من 435 في المئة من قيمتها خلال العامين الماضيين، إذ سجلت 3570 أمام الدولار يوم الإعلان عن زيادة الرواتب منتصف كانون الأول عام 2021، لتبدأ بعدها مسيرة التدهور المتسارع، وتتجاوز حاجز الـ 15 ألفاً، في ظل صمت من حكومي حيال ما يحصل.

وسجّلت الليرة السورية، يوم الأربعاء، انهياراً قياسياً بسعرها، وصل إلى أدنى مستوى في تاريخها، لتبلغ 15 ألفاً و500 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على قرار زيادة الرواتب ورفع أسعار المحروقات.

وارتفع سعر المازوت لأكثر من 470 في المئة خلال العامين الماضيين، وقد أصبح سعر بيع مادة المازوت الصناعي المقدم لكل من الزراعة خارج المخصصات المدعومة والصناعات الزراعية والمشافي الخاصة ومعامل الأدوية 8000 ليرة سورية للتر الواحد بدلاً من 1700 في عام 2021.

أما المازوت الحر فقد ارتفع لأكثر من 650 في المئة، وبات سعره 11550 بعد أن كان بـ 1700 في عام 2021.

وبالنسبة لسعر مادة المازوت للمخابز التموينية الخاصة أصبح 700 ليرة سورية لليتر الواحد بدلاً من 500، في حين وصل سعر المازوت المدعوم للمستهلك 2000 ليرة سورية للتر الواحد بدلاً من 500 ليرة.

في حين ارتفعت أسعار مادة البنزين لأكثر من 700 في المئة خلال العامين الماضيين، فأصبح سعر (أوكتان 90) المدعوم 8000 ليرة سورية للتر الواحد بدلاً من 1100 نهاية العام 2021، في حين بات سعر البنزين (أوكتان 95) 13500 ليرة سورية للتر الواحد، بعد أن كان سابقاً بـ 3000 ليرة للتر الواحد.

وبعمليات حسابية بسيطة يتبين أن الرواتب بعد الزيادة الأخيرة صارت تشتري كميات أقل، خاصة من المواد الغذائية والمحروقات.

فقبل الزيادة حين كان متوسط الراتب 100 ألف ليرة، كان يشتري على سبيل المثال 142 ليتر مازوت حين كان سعره 700 ليرة للمستهلك. واليوم الراتب الذي بات متوسطه 200 ألف ليرة بات يشتري 100 ليتر مازوت بسعره الجديد.

الراتب ذاته كان يشتري 40 ليتر بنزين (مدعوماً) حين كان سعر الليتر 2500 ليرة. واليوم بات الراتب الجديد بعد الزيادة يشتري 25 ليتراً فقط.

وعلى إثر ذلك، شهدت الأسواق السورية، يوم الأربعاء، حالة من التخبط والفوضى في أسعار المواد الغذائية والخضار في مختلف المدن، وتراوحت نسبة الزيادة بين 15 إلى 25 في المئة، في ظل توقعات باستمرار الارتفاعات إلى مستويات أعلى خلال الأيام القادمة.

ودائماً ما يرافق ارتفاع أسعار الوقود في سورية ارتفاع أسعار جميع السلع الأخرى في السوق وارتفاع أجور الخدمات عامة، وهي لا تتناسب حتماً مع الزيادة في الأجور والرواتب، إذ تشير دراسات أجرتها صحيفة قاسيون المحلية، إلى أن حاجة الأسرة المكونة من 5 أفراد تصل إلى 6.5 ملايين ليرة للعيش بصورة مقبولة نسبياً، ما يعني أن الزيادة لن تكون حقيقية وفعّالة ولن توازي مستوى التضخم الهائل في البلاد.

واحتلت سورية المرتبة الثالثة عالميا بمستوى التضخم بنسبة 238 في المئة على أساس سنوي، بعد كل من زيمبابوي وفنزويلا.

الرقم الجديد لمعدل التضخم الصادر في 10 من آب الحالي، جاء وفق (لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي) في عديد من البلدان وفق معايير محددة، بالاعتماد على مصادر مستقلة.

ويظهر المؤشر أن سورية تراجعت منذ آذار الماضي إلى المركز الثالث، وذلك بعد ارتفاع معدل التضخم فيها بنسبة تجاوز أكثر من 125 في المئة، إذ كانت البلاد حينها بالمركز الرابع بعد فنزويلا وزيمبابوي ولبنان بنسبة 111 في المئة.

وفي عامي 2011 – 2023، تجاوز معدل التضخم في سورية 16 ألفاً في المئة، وفقاً لأرقام كشف عنها الكتاب السنوي للمكتب المركزي للإحصاء، في حزيران الماضي.

كما ارتفعت الأسعار بين عامي 2011 و2021 بمقدار 40 ضعفاً، في حين ازدادت بما يتجاوز 161 ضعفاً في الفترة الممتدة بين 2011 و2023.

وشهدت العديد من المناطق يوم الأربعاء، إضراباً لوسائل النقل الخاصة بعد رفع الحكومة أسعار الوقود، ما أدى إلى حالة إرباك لدى الناس والطلاب في معظم المحافظات السورية.

وأدت تلك القرارات إلى صدمة في الشارع السوري، ما أدى إلى استيقاظ الناس على وقع إضراب سائقي السرافيس والتكاسي من إجراء طلبات النقل بين المدن والبلدات السورية في كل المحافظات.

ولا ريب أن هذه الأحداث تأتي في ظل حالة سخط شعبي متصاعدة، في وقت تعيش فيه الأسرة السورية أزمات معيشية وخدمية، هي الأسوأ على الإطلاق، إذ ازدادت ساعات القطع الكهربائي لتصل إلى 23 ساعة يومياً في معظم المناطق، فضلاً عن تردي الخدمات الأساسية الأخرى، في ظل عجز الحكومة عن تقديم أي حلول على المدى المنظور، رغم الوعود المتكررة بتحسن الواقع الخدمي فهل سنشهد قريباً نهاية سريعة للحكومة وبالتالي للمعاناة اليومية أم أن القادم أصعب وأخطر.. اللهم نسألك اللطف والرحمة!

العدد 1104 - 24/4/2024