(أزمة تفضح انعدام الأمن والأمان السويدي)

نشرت الكاتبة والصحفية أليزابيث أوزدالغا Elisabeth Özdalga المقال التالي بتاريخ 31/07/2023 في صحيفة Svenska Dagbladet السويدية.. ننشر وبتصرف ترجمته للعربية للاطلاع عليه.

طلال الإمام:

كانت السويد معروفة في العالم كساعٍ من أجل السلام وعدم الانحياز خلال فترة ما بعد الحرب، لكنها غيّرت مواقفها في وقت قصير ووضعت نفسها كتابع خلف الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي. من نتائج ذلك أنه خلال الحرب الجارية في أوكرانيا، لم تمتنع السويد – وفقاً لـدورها السابق وارثها – عن اتخاذ مبادراتها الخاصة للتوصل إلى حلول سلمية فحسب، بل اتخذت موقفاً سلبياً تجاه مبادرات السلام الأخرى. لم تعد السويد دولة مستقلة (محايدة) في الشؤون الخارجية بهدف التعاون السلمي وإنما أصبحت جزءاً من تحالف عسكري هجومي. يحدث هذا التغيير أيضاً في وقت تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية.

لقد وجدت السويد نفسها اليوم في وضع صعب، ترتعد من الخوف الذي يصعب على القادة السياسيين التعامل معه. من خلال عضوية الناتو، تم توسيع حدود التفكير بالحل الأمني ​​السويدي، مما يعني أن القرارات المتعلقة بقضايا الدفاع المركزي تخضع لجهات فاعلة أقوى وأكثر تنظيماً. كيف ستسير عملية صياغة القرار الديمقراطي في ظل هذه الظروف الجديدة؟ ما هي سلطة الممثلين المنتخبين على التخطيط الاجتماعي والدفاعي المستقبلي؟ الحقيقة أن قرار الانضمام الى الناتو كان متسرعاً وأدى إلى الارتباك /التخبط والشعور بعدم اليقين بين الكثيرين فيما يتعلق بهذه القضايا وغيرها.

من علائم هذا التخبط حقيقة أن تدنيس القرآن بشكل استفزازي شل قدرة الحكومة الحالية على التصرف. لقد أدت المظاهرات العنيفة في الشوارع والاحتجاجات الرسمية في العالم الإسلامي إلى نوع جديد من عدم القدرة على التصرف.. فإذا حُظر حرق القرآن، فذلك يعني تلبية مطالب الجماعات الأجنبية، التي غالباً ما تكون متطرفة؛ أما إذا جرى الاصرار على الحق في تفسير حرية التعبير بحيث تستمر أيضاً وتتضمن حرق وتدنيس الكتب المقدسة – فحينئذٍ من المنتظر وقوع أعمال شغب واحتجاجات جديدة وتدهور العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع مختلف بلدان العالم.

جاء في آخر اقتراح من جهاز الأمن السويدي (Säpo) أن العلاقات المتوترة، خاصة مع الدول الإسلامية، يمكن أن تؤدّي إلى تدهور الوضع الأمني. تتحول السويد من كونها هدفاً (شرعياً) إلى هدف (ذي أولوية) للأعمال الإرهابية. كلفت الحكومة العديد من الهيئات لتعزيز قدرة السويد على منع أعمال الإرهاب. كما تطلب الشرطة من السكان الانتباه، وزيادة اليقظة، والامتناع عن استخدام سماعات الرأس أثناء التجوال في المدينة.

نعم، وجدت السويد نفسها في وضع أمني متدهور، لكن الأمر لا يتعلق فقط بحرق المصاحف والإسلاميين الغاضبين أو الأنظمة الرجعية في الشرق الأوسط. إنه يتعلق أيضاً بتحالف السويد مع قوة عظمى لها سمعة سيئة لدى أجزاء كبيرة من العالم /غير الغربي، وخاصة في العالم الإسلامي. ربما لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون السفارة السويدية في بغداد هي الأكثر تضرراً. اذ لا يزال الغزو الأمريكي عام 2003 وملايين العراقيين الذين فقدوا أرواحهم نتيجة هذه الحرب العدوانية حاضرين في أذهاننا. يضاف إلى ذلك عقوبات اقتصادية قاسية في العقد السابق للغزو، والتقنين الصارم للكهرباء، لا يمكن نسيان الدمار الذي خلفه الغزو الأمريكي، الشيء نفسه في أفغانستان، وليبيا. لا يمكن نسيان هذه المظالم بسهولة.

يشترك في هذه المشاعر أيضاً جمهور مسلم أوسع، كما يتضح من حقيقة أن منظمة المؤتمر الإسلامي المكونة من 57 دولة، عقدت عدة اجتماعات تلتها تصريحات حادة ضد حرق القرآن، موجهة في المقام الأول إلى السويد، وكذلك الدنمارك. هنا يظهر تضامن يمتد من المغرب في الغرب إلى إندونيسيا شرقاً. إن حقيقة أن السويد لم تعد دولة غير منحازة، ولكنها تشكل الآن جزءاً من منظمة حلف شمال الأطلسي العسكرية بقيادة الولايات المتحدة، يجب ألا تكون قد غابت عن ذهن أي من المشاركين في اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي. لكن وبغض النظر عن العلاقة التي تربط كل دولة بمفردها فيها بالقوة العظمى للولايات المتحدة الأمريكية، فإن التطور الأخير يعني أن النظرة الى السويد قد تغيرت.

يجب على السويد الآن أن تقف وتتحمل عواقب سياسة التحالف الجديدة. إذا سُمح بمناقشة قضية الدفاع بشكل واسع ومتعدد الأوجه مع فرصة للتفكير وتحليل النتائج – أي إذا سُمح أن يكون النقاش حول الناتو قضية انتخابية أو إذا سُمح بإجراء استفتاء يسبق قرار الانضمام للناتو، عندئذٍ يمكن تجنب بعض التوتر والقلق الذي ينتشر الآن في أوساط الحكومة والسلطات.

بكلمة، لم يعد (صُنع في السويد) رمزاً واضحاً للسلام.

العدد 1104 - 24/4/2024