الثنائي الفرنسي الألماني.. الحرب في أوكرانيا وأوربا

المحلل السياسي أنطوان شاربانتييه:

الحرب في أوكرانيا لها العديد من النتائج والآثار السلبية على أوربا. إحدى هذه النتائج أزمة الثنائي الفرنسي الألماني، في الوقت الذي يحتفل البلدان بالذكرى الستين لمعاهدة الإليزيه، التي وقعها الجنرال ديغول وكونراد أديناور في 22 كانون الثاني (يناير) 1963. السؤال المطروح في هذه الأثناء على خلفية الحرب الأوكرانية هو مصير العلاقات بين فرنسا وألمانيا، وعلاقات هذين البلدين بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد عملت هذه الأخيرة بنشاط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية للسيطرة على ألمانيا، وكان هدف الولايات المتحدة هو منع أي تقارب بين الألمان والروس. تجدر الإشارة إلى أنه وراء الحرب في أوكرانيا، هناك أيضاً تحدٍّ يتمثل في إضعاف ألمانيا القوية اقتصادياً، التي تهيمن على أوربا، والتي تهمش دولاً أخرى في الاتحاد الأوربي.

وقّعت ألمانيا تحت حكم جيرارد شرودر وأنجيلا ميركل اتفاقيات الغاز الهامة مع روسيا. اعتقد الألمان أن بإمكانهم الاستفادة من الحماية الأمريكية، ثم إيجاد اتفاقيات الغاز الاقتصادي مع روسيا ومن ثم إدارة أوربا. يضع العديد من الأوربيين في هذا السياق انفجار نورد ستريم 2 كشكل من أشكال تحدي الأمريكيين للألمان والروس، بالتعاون مع البريطانيين والبولنديين. طبعاً هذه ليست الأطروحة الرسمية في أوربا، على الأقل في وسائل الإعلام الرسمي. بالنسبة للمفكر الفرنسي إيمانويل تود: هوس الأمريكيين نورد ستريم 2، إرادتهم بعزل ألمانيا عن روسيا يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية المشتبهَ الأول في هذه العملية. يتذكر البعض في أوربا كيف حاول الرئيس دونالد ترامب مراراً عديدة منع إنشاء نورد ستريم 2.

إن ما تكشفه الحرب في أوكرانيا للألمان هو أمر مروع.. يكتشف الألمان أن حاميهم الأمريكي هو في الوقت نفس عدوهم. هذا يضع ألمانيا كقائدة لأوربا في صعوبات غير مسبوقة، وبالتالي بقية أوربا. لذلك تستنتج ألمانيا أن الحامي الأمريكي يشن حرباً بلا رحمة ضدهم من خلال الحرب في أوكرانيا، من ناحية أخرى علاقاتهم مع روسيا ليست مرضية.. علاوة على ذلك، فإن إسقاط ألمانيا يعني ببساطة إسقاط أوربا.

يجب على فرنسا أن تتفهم الوضع المأساوي الذي يعيشه حاليا شريكها الألماني. إن ترك ألمانيا تتورط في مواجهة مباشرة مع روسيا عمل غير مسؤول على الإطلاق.. إن ترك المانيا تتهاوى قد يؤدي إلى تهاوي الاتحاد الأوربي، وخلق اضطرابات داخلية تكون نتيجتها زعزعة هذا الأخير.

الحرب الدائرة في أوكرانيا هي حرب اقتصادية بحتة. هذا الشكل من الحرب يكاد يكون أكثر خطورة من الحرب العسكرية. تعكس هذه الحرب الاقتصادية على الصعيد العالمي خوف الولايات المتحدة التي تدرك أن العالم يمكن أن يعيش مالياً من دون الدولار. في هذه الحالة يمكن أن ينهار الاقتصاد الأمريكي ومعه تنهار اقتصادات المعسكر الغربي.

يجب التنبيه أنه كان لدى الأمريكيين قوة ناعمة هائلة عندما مثلوا الازدهار والديمقراطية الليبرالية، لكنهم اليوم ضعفاء للغاية.

ضعف الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية هو أحد الأسباب التي شجعت الرئيس فلاديمير بوتين على إعلان الحرب على أوكرانيا. لقد شعر بالقوة الكافية لأسباب تتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، ولأنهم يرون أن الولايات المتحدة قد ضعفت، وتراجعت بشكل جدي على الساحة الدولية خصوصا بعد خروجها من أفغانستان. رغم ذلك أخطأ الروس في التقدير، خصوصاً عندما اعتقدوا أن الحرب في أوكرانيا ستحسم في وقت قصير لصالحهم.

يبدو أن العالم كله يشهد ويعي تراجع الولايات المتحدة باستثناء الأوربيين الذين ما زالوا في حالة إنكار قاتلة.. بينما يركز الأمريكيون في الوقت عينه جهودهم على السيطرة على محمياتهم السابقة، التي تعد أوربا جزءاً منها. يتلاعب القادة الأمريكيون عاطفيًا بالأوربيين من خلال إظهار أنهم مصدومون للغاية من غزو روسيا لأوكرانيا، لكنهم يخفون على سبيل المثال، عمداً، حروبهم في أفغانستان والعراق وفي مناطق أخرى في العالم.

أخيراً، لفهم العواقب الكارثية للحرب الأوكرانية على أوربا بشكل أفضل، من الضروري أخذ إنكلترا في عين الاعتبار باعتبارها حالياً المؤشر الأوربي بامتياز.

تشهد إنكلترا حالياً انخفاضاً في النمو، ومتوسط العمر، وانهياراً لنظام المستشفيات، وانهياراً للاقتصاد، وهبوطاً بنسبة 7٪ في مستوى المعيشة. في مثل هذا المنظور، السؤال هل الحرب في أوكرانيا ستدمر أوربا؟ هل آخر حروب الولايات المتحدة ستكون في أوربا؟

 

 

العدد 1107 - 22/5/2024