بلا عنوان

رمضان إبراهيم:

في الردهة الضيقة حيث يتكوم مرضى الأورام ومرضى الأمراض العصبية اختفت الابتسامات عن الوجوه واستلقت مكانها غيوم داكنة من الأسى والوهن.

السيدة التي جلست على الأرض وضعت تحت رأسها كيساً من النايلون الأسود وحدقت في الوجوه المحيطة بها، ثم قطبت حاجبيها وزفرت بقوة وتمتمت ببضع كلمات.

اقتربت منها بحذر سيدة اخرى لم يحن بعد خريفها السبعون.. ربتت على كتفيها ثم همست:

مين معك ياخالتي؟

تنهدت صاحبة الكيس الأسود بعمق بعد أن عدلت وضعية رأسها وقالت:

معي الله، يا عين خالتك!

كنت أراقب ما يجري بكثير من المرارة، فأخذتني الأفكار إلى ما قد ينتهي به الإنسان.. إلى أرذل العمر، ولكن والدتي التي شدت على يدي أعادتني إلى لحظتي وإلى صاحبة الكيس الأسود.

حاولت استحضار الكلمات التي تليق بالموقف، لكن الذاكرة خانتني فيما كانت دمعة صاحبة الكيس الأسود تتأرجح بين جفنيها، لكنها تزجرها بصمت كي لا تنفلت وتتدحرج عبر تجاعيد وجهها العتيقة.

الأصوات التي تعالت من الغرفة الخامسة عشرة جعلت الجميع يصمتون وينظرون إلى مصدر الصوت فيما استطعت أن أقرأ على بعض الوجوه الخريفية علامات الرحيل.

قال أحد الأطباء:

الغرفة الخامسة عشرة فارغة، يمكنكم نقل أحد المرضى إليها.

قلتُ:

ما نحن إلا أرقام على شاطئ الحياة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024