عندما يصبح الوطن غربة!

ريم سويقات:

عندما تعيش في بلد أنهكته الحرب، ولا تمتلك حكومته القدرة على تأمين ابسط مقومات الحياة لمواطنيها (فلا أسعار المواد الغذائية التي تحتاجها أي عائلة هي معقولة أمام راتبها الوظيفي، ولا حال الكهرباء وتأمين الوقود والغاز هو بالمستوى الجيد)، عندئذٍ من غير المتوقع أن يتصرف اي فرد في المجتمع بطريقة سوية، فالفقر ينتج ضغوطات تجعل الإنسان يفكر في التخلي عن الكثير. ولكن ماذا لو كان هذا التخلي هو (تخلي الأهالي عن أطفالهم)!

وردت أنباء خلال أسبوع واحد فقط عن وصول ٤ أطفال رُضّع إلى المستشفيات في كل من (حماه، اللاذقية، حمص) مجهولي الأب والأم بعد أن تُرك الاطفال بداية في أماكن مختلفة قبل نقلهم إلى المستشفى، إذ وجد أحد الاطفال ملفوفاً بغطاء أمام باب إحدى البنايات في حماه، والآخر وجد أمام باب المستشفى في اللاذقية، والثالث وضع في الحديقة، أما الطفل الرابع فوجد في كيس ملقى في ريف حماه. واحد من هؤلاء الاطفال وجد في غطائه ورقة كتب عليها (هادا الطفل اسمو فجر وهو ابن حلال، والله من ضيق المعيشة ما عندي قدرة أربّيه).

قد يقول بعضكم أول الأمر: (إذا كان غير قادر على التربية لماذا أنجب الطفل؟) لماذا نلقي اللوم على حق من حقوق الإنسان وهو إنجاب الأطفال من نسله، لماذا لا نسأل:

لماذا لا يعمل المسؤولون على تيسير أمور الشعب وتأمين معيشة يقدر فيها كل فرد في المجتمع على إنجاب الأطفال والحفاظ على النسل؟ تخيّلوا لو أن كل فرد منا يفكر بالزواج دون إنجاب الأطفال خاصة بعد أن تحول ثلاثة أرباع الشعب السوري إلى فقير ونصف فقير ومعدم؟!

هل من المعقول أن ينجب الفرد أطفاله ثم يتم التخلي عنهم لترعاهم المنظمات الخيرية ودور الأيتام، كما حدث مع هؤلاء الأطفال في هذا الأسبوع؟!

كيف سيؤثر العيش في تلك الدور والمنظمات الخيرية على نفسية الأطفال ومستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي عندما يشبّون، ولو بلغت الرعاية مستواها الأفضل؟ فهل يوجد شيء يعوض غياب حنان وعطف الوالدين وإرشادهم؟

المشكلة تكمن في إيجاد منزل لهؤلاء الاطفال، فهم بعد 18 عاماً سيتم التخلي عن إيوائهم أيضاً، وعندئذٍ أين سيذهبون؟ وإلى من يلتجؤون، هذا عدا نظرة المجتمع إليهم وهم مجهولو الهوية.

لكن المشكلة الأكبر تكمن في إدارة العملية الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، البعيدة كل البعد عن خدمة المواطن، وهي التي وجدت من اجله، فلا شيء يتفق مع تأمين المتطلبات المعيشية الأساسية فقط بما يتناسب مع أجر الفرد والغلاء المتصاعد كل يوم.

عندما يصبح الوطن غير قادر على احتضان أبنائه، ولا يضمن لهم حياة كريمة، يصعب على أبنائه الدفاع عنه، والصمود أمام كل هذا الخراب.

ضعوا هموم ومشاكل المواطن السوري في أولوياتكم!

دام عزكم، أيها السادة، ما رأيكم؟!

العدد 1102 - 03/4/2024