التوحش الرأسمالي

الدكتور سنان علي ديب:

كثر ممن نشؤوا وترعرعوا في حدائق الأفكار الإنسانية وفي العمل الدؤوب لعولمتها لم يتوقعوا أن يصل السواد الحالك إلى هذا الحجم، ولم يتوقعوا أن تتفرد الوحوش، التي تتغطى بهيئة بشر، والتي تعادي الأفكار الإنسانية والسامية، بالتحكم وإدارة العالم إلى هذه الدرجة من التفرد، وتسخير أغلب الطاقات والجهود لتغليب أفكارها الشيطانية السوداء القاتلة والناسفة والهادفة لفرض الفوضى، وحسب اعتقادهم من الفوضى ينبثق النظام، ولكن أي نظام يريدون كما قالوا ونظروا للفوضى الخلاقة والبناءة والمنطلقة من دول ومجتمعات منضبطة تحكمها منظومات قيمية، ولو ببعض الانحرافات، عبر تأثيرات روحية أو فكرية ظلت توحد وتردع وتفرض القيم الإنسانية وتنتصر للإنسان وتفرض عدالة ولو بتشوهات محدودة، وجاء عبدة الشيطان ومحررو الغرائز ورثة الرأسمالية المنفلتة المتوحشة فأفرغوا الدول من الأحزاب وشوهوا الأفكار، ويحاولون تشويه الأديان وحرفها وصناعة قوى إرهاب مبرمجة وجاهزة للاستعمال بكل دول العالم، الاستخدام القائم على قتل الإنسانية وأي أفكار تناصرها، وسحق كل من يفكر بالسعي لعدالة عالمية وإنسانية واجتماعية، وتسخّر لذلك كل أبعاد الشيطنة وأدواتها، ليسيروا بالحروب للحروب وليست لغايات اقتصادية نهائية كما اعتدنا الحروب للقتل والتدمير وقطع التنمية وتأخير العالم للوراء وصولاً إلى فئة حاكمة متحكمة حرة بلا قيود إلهية أو بشرية أو أرضية في ظل خمرة القطبية وعدم الاستيقاظ منها، والانجرار وراء أوهامهم خوفاً أو جهلاً أو غباء، وفي ظل جنون العظمة والتخويف بالماورائيات، وفي ظل أوهام طالما وقعت بها دول حكمت العالم وتفردت ففوجئت بدفع الثمن.. وأتى ما بعد العولمة وما نظّر له أشباه رجال وسياسيون ومفكرون وباركوا به ليظهر توحشه وجاهليته وقسوته ومعاداته للإنسانية والأديان، وحتى للآلهة وهو فاق ما توقعه الفلاسفة بأن الإمبريالية هي آخر مراحل الرأسمالية، فظهرت لنا فئة ظلامية تريد تدمير كل شيء، كل حضارة، كل تنمية، كل ملامح إنسانية، في ظل تصحّر وتصخر وشيطنة وأبلسة لكل من يخالفها، ولتكون كل ما سمي منجزات علم وتقدم أدواتهم لتدمير البشرية وإلغاء الإنسانية عبر سلوكيات ستأكل نفسها.. كالنار التي تحرقها النار فالقادة الشياطين يعتبرون الجميع أدوات لنصرة أفكارهم الشيطانية والتي سعت لتدمير أي أدوات تنصر المستغَلين والفقراء وتنصر الطبقات المسحوقة، عبر محاولة طمس بيئة وطبيعة الصراع الطبقي وتضليله كما ظنوا، ولكنهم قد يكونون أخطؤوا لأن الضغوطات والمعاناة التي ولدوها والقابلة للانفجار والإطاحة بهم وأدواتهم قد صنعت مخاضات لولادة حتمية جديدة وإن بتخندقات أو تحالفات أو طبيعة جديدة، وما حلكة الفوضى وظلاميتها إلا تباشير وآن الأوان لولادة تخالف جامع مواجه ومعاقب ومزلزل..

لا الأديان بروحانيتها تقتل وتصفى ولا الأفكار الإنسانية ولا جذور الأحزاب الداعية للعدالة وللقانون العادل ولنصرة المظلومين.. وليس الوقت للانجرار إلى حرف الصراعات الذي انتهجته قوى الشيطنة والظلامية وعبادة الغرائز.

مواجهة القوة الشيطانية المدمرة بحاجة إلى تحالف أممي مواجه موحد حكيم مستفيد من كل ما صنعته واستثمرته قوى الشيطان الغرائزية.

المخاض نضج وبانتظار ولادات جديدة.

 

العدد 1102 - 03/4/2024