الحوار الوطني ممر إجباري مهما طال الزمن

محمد علي شعبان:

بعد كل صراع على السلطة يصبح الوطن في خطر، مادام هناك أطراف في الإقليم تريد إضعافه، والانقضاض عليه بأشكال مختلفة، وهنالك أطراف دولية تريد إضعافه وتحويله أداة من أدواتها، في مواجهة خصومها الدوليين، فيصبح الوطن في خطرين اثنين:

  • الخطر الداخلي المتمثل بالصراع على السلطة، وما يترتب على ذلك بين الطرفين المتصارعين.
  • وخطر خارجي متمثل بدور الدول الأقليمية من جهة والدولية من جهة ثانية.

وتصبح المصلحة الوطنية العليا في مهب الريح تتجاذبها القوى المتصارعة، والجهات التي تقف خلفها، تحولها إلى ورقة لخدمة مصالح وأطراف إقليمية ودولية.

ويتفق المتصارعون جميعهم دون تنسيق فيما بينهم على عدة نقاط أهمها:

1-إضعاف القوى الوطنية وشرذمتها، وخلق إشاعات تشكيكية تارة وتخوينية تارة أخرى، بغية إضعاف هذه القوى، وإشغالها بصراعات لا معنى لها سوى إبعادها عن ساحة الفعل، لتتفرد القوى المتصارعة على السلطة بتنفيذ غاياتها.

2- التضييق على الثقافة الوطنية المستقلة وربطها بثقافات إقليمية بغية تماهيها بها وإلغاء دورها، والتضييق الشديد على المثقفين، وجعلهم بحالة خوف دائم من جميع الأطراف المتصارعة.

3-العمل على تكريس الانقسام داخل البنية المجتمعية، وخلق تناقضات تؤدي إلى صراعات تتحكم فيها قوى متخلفة (طائفية، ومذهبية ودينية) جاهزة، لتغذيتها واستثمارها.

4-العمل على خلق حالات رعب وخوف عند جميع الشرائح الاجتماعية، وجعل الجميع في حالة قلق دائم.

5-غياب الأمن والأمان، وانتشار حالات الفوضى، والسرقة، والجريمة.

6-تغييب لغة الاعتدال، واتهام المعتدلين الدائم بالتواطؤ مع الجميع ومن قبل الجميع.

باعتبار أن لغة الصراع هي البوصلة وليس لغة العقل.

7-إضعاف هيبة الدولة، وتلميع أسماء وشخصيات تتمتع بنفوذ خاص، يجعلها نقطة تجاذب فاعلة بالعديد من الملفات.

جميع هذ العوامل، وغيرها، تساعد باستحضار تاريخ طويل من الصراعات العرقية والطائفية، والمذهبية. وتصبح ثقافة القتل والتهجير، والسبي والغنائم، تفعل فعلها مع ضعاف النفوس، الذين ينتهزون الفرص لخلق مزيد من الفوضى، التي تصنع أبطالاً أوجدتهم الكوارث والدمار.

كما تساعد بإحياء النزعات القومية والمذهبية والعائلية الدفينة،

بغية صناعة لوحة توافقية جديدة، أبعد ما تكون عن التوافق. باعتبار أن جميع الأطراف الفاعلة بالتوافق تستمد قوتها وشرعيتها من أطراف إقليمية ودولية تريد الوطن الجديد أن يكون إحدى أدواتها، والحكام الجدد وكلاء لها.

يقف الوطنيون الفاعلون بين خيارين:

إما الرضوخ للاستحقاقات المطلوبة دولياً وإقليمياً، والتي تؤدي لإضعاف الوطن من جميع النواحي وصولاً إلى تقسيمه، كما حصل في بعض البلدان.

أما الذهاب إلى خلق معادلة جديدة فيحتاج إلى جمع جهود الوطنيين الأحرار والتشاور معهم، والعمل على إيجاد الطريقة الأقل كلفة، للخروج من الأزمة، واستبعاد تجار الأزمات وأدوات المشاريع الدولية والإقليمية، وخلق مناخ مناسب للحوار بين أبناء الوطن، عنوانه المصلحة الوطنية العليا.

وهذا يقتضي استحضار أكبر عدد من الكوادر الوطنية، الذين رفضوا المشاركة في معارك تؤدي لتمزيق الوطن وإضعافه.

ورفضوا التعاون مع أي طرف خارجي مهما كان ادعاؤه.

كما رفضوا جميع المؤتمرات واللقاءات التي تنال من هيبة الدولة، وتضعف الوطن.

فهل حان الوقت لتجميع القوى الوطنية الموجودة في موقع القرار، مع القوى والشخصيات الوطنية المنتشرة على مساحة الوطن، لتشكيل قوة فعل حقيقية، تهيئ المناخ لمؤتمر حوار وطني، تحضره كل الأطراف، يضع خارطة طريق للخروج من الأزمة، ويسحب الشرعية من أطراف إقليمية ودولية تفعل فعلها في البنية المجتمعية بأشكال شتى، وتؤدي لتهتيك النسيج الوطني، وتخلق صراعات مذهبية وطائفية هنا وهناك، ويخلق شرعية وطنية جديدة، تقوم على الشراكة الوطنية. صاحبة الصلاحية بإعطاء الشرعية لمن يعمل لمصلحة الوطن، ويسحبها من الذين يعملون ضد مصلحة الوطن.

هذا الاستحقاق يجمع عليه غالبية المجتمع السوري، لكن من هي الجهة التي تستطيع أن تنفّذ هذا الاستحقاق؟

 

العدد 1102 - 03/4/2024