ماذا ستفعل بعض أطراف المعارضة الخارجية بعد أن اكتشفت أنها تعمل لصالح أردوغان؟

محمد علي شعبان:

مازال فقراء الشعب السوري يأملون بحل سياسي، يخرجهم من المأساة التي قارب عمرها أحد عشر عاماً. يدفعون الفاتورة تلو الأخرى، مرة بالشهداء، ومرة بالجرحى، وعشرات المرات بغلاء الأسعار، وفقدان السلع الضرورية، والقلق الأمني على الطرقات، والخوف من الخطف بقصد الابتزاز والفدية.

رغم ذلك لم يغب الأمل في التوصل إلى حل سياسي، بين أطراف الانقسام الوطني، ينهي معاناة هذا الشعب المظلوم، الذي دفع فاتورة باهظة لا مثيل لها في العهد الحديث.

لقد كتبت سابقاً عن دور بعض أطراف المعارضة، الذين استمدوا قوتهم وشرعيتهم من أطراف دولية وإقليمية لا تريد الخير لسورية.

وها هم أولاء قد غابوا وغابت مشاريعهم الوهمية، ووعودهم الكاذبة، وخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث باسم المعارضة السورية وباسم الشعب السوري، مشترطاً أن يكون انسحابه من الأراضي السورية بطلب من الشعب السوري.

مؤسف أنه لا يرى من الشعب السوري سوى بعض المرتزقة، وبعض قيادات الإخوان المسلمين، الذين يحلمون معه بعودة الإمبراطورية العثمانية.

فهل سنشهد شخصيات معارضة، من الذين غيّبهم أردوغان وحلفاؤه، ليقولوا بصوت عالٍ للسيد أردوغان: ليس لك الحق في التحدث باسم الشعب السوري، وباسم المعارضة السورية، أم أنهم سيبقون ملتزمين الصمت مستبطنين، يعيشون حالة من الانتظار متارجحين أرجحة المهزوم الذي يحاول إقناع نفسه أنه منتصر.

وبعد غياب وتغييب العديد من الشخصيات المعروفة بمعارضتها للسلطة السورية منذ انطلاق الحراك في سورية، وظهور شخصيات حديثة لم تعرف سابقاً، وجلوسها في الصفوف الأولى على طاولات المعارضة في الفنادق الفخمة، أصبح من الواجب السؤال: من كان خلف هذه الحركات التكتيكية في تغيير العديد من الوجوه، الذين شغلوا مناصب قيادية في الائتلاف الذي تشكل في استنبول، والرعاية القطرية، وصولاً إلى الهيئة العليا للتفاوض؟

لكن اللافت أنه رغم تغيير الوجوه بداية من برهان غليون، وصولاً إلى أنس العبدة، إلا أن الثابت الوحيد يؤكد أن: جميع شخصيات الإئتلاف ليس لها فعل أو وزن، وغير قادرة على فعل أي شيء ما دامت القيادة المصغرة التي تديرها شخصيات اخوانية محددة لم توافق ولم تفوض أحداً، وما دامت تحتكر القرارت، من غرفها المظلمة.

ونتذكر جيداً الاتفاق الذي حصل في مصر بين الدكتور هيثم مناع ممثل هيئة التنسيق حينذاك، والدكتور برهان غليون ممثل الائتلاف ورئيسه، وكيف تراجع الدكتور غليون بعد عودته إلى استنبول وسماع القيادات الإخوانية لما حصل من اتفاق بينه وبين الدكتور مناع.

كيف فرضوا التراجع على الدكتور غليون؟

لقد تم ذلك رغم وجود عدد كبير من الليبراليين، والقوميين وعدد من الماركسيين، إضافة إلى أسماء لامعة من الليبراليين الجدد، المدعومين من الإدارة الامريكية.

جميع هذه الأحداث وغيرها، تؤكد أن اللاعب الأساس في إعداد الثورة المضادة وصناعتها ودعمها، يقع على عاتق الإخوان المسلمين المدعومين من تركيا، برعاية وتوجيه أمريكي، وجميع الأطراف الباقية لا يرقى فعلها أو تأثيرها، أكثر من ألوان زينة لتجميل المكان، بغية تسويق الأفكار المستبطنة بعناوين براقة وشخصيات معروفة كان لها وجود في الشارع السوري.

لكن الإخوان المسلمين لم يكتفوا باستخدام شركائهم في الائتلاف فقط، كبرهان غليون وعبد الباسط سيدا وشخصيات إعلان دمشق وهيئة التنسيق بجميع أحزابها، ولاحقاً منصة موسكو ومنصة القاهرة وغيرهم، كجسر عبور لتنفيذ مشروعهم بالتنسيق والدعم من الحلف الصهيوأمريكي ومن معه، بل تجاوزوه، وأصبحت معظم دول مجلس التعاون الخليجي داعمة وممولة لهذا المشروع. حتى أصبح السيد أردوغان مركز جذب لجميع هذه القوى رغم اختلاف الرؤى بين أطرافها.

لكن الوقائع لم تسر كما أرادوا.

لقد أعاد الجيش العربي السوري الاعتبار وغير قواعد اللعبة، بفضل الجهد الروسي، وجهد الحلفاء في محور المقاومة، وتراجعت لهجة ممثلي الهيئة العليا للتفاوض، وأصبحت أكثر مرونة وأكثر جدية للحوار، محاولة الحصول على حصة صغيرة من الكعكة، تاركة خلفها جميع الأحلام والأوهام التي تاجرت بها منذ منتصف آذار 2011 لتقدم ما تحصل عليه عربون وفاء للسيد أردوغان، تعويضاً عن خسارته لحلمه بعودة السلطنة العثمانية الذي كان يحلم به ويعمل من أجله.

وبعد كل المتغيرات التي حصلت والوقائع الجديدة، وانكشاف جميع المشاريع الإقليمية والدولية، وعلاقة دول مجلس التعاون الخليجي بالكيان الصهيوني قديماً وحديثاً، ومشاريع التطبيع التي تسير في معظم العواصم العربية دون إعاقة، ماذا يجب على النخب السورية التي كانت تدور في فلك مشروع الإخوان الذي انكشفت جميع خفاياه، والذي تحول لورقة لعب رخيصة بيد الرئيس أردوغان الذي سرق ثروة البلاد ومعاملها، واحتضن داعش والنصرة، وفتح الحدود لجميع الإرهابيين في العالم وساعدهم بالدخول إلى سورية.

فهل تبقى النخب السورية التي استُخدمت كقناة عبور صامتةً دون كلام، مكتفية ببعض المكاسب التي حصلت عليها، أو تعيد التقييم والمراجعة قبل فوات الأوان وتقول ما يجب أن يقال.

أو تستمر بالدفاع عن مواقفها السابقة ورهاناتها الخاسرة، لتشكل نبلة تطعن بها من كان حليفها في المعارضة قبل الأزمة، وتثبت أنها نموذج تافه هشّ، يمكن بيعه بأرخص الاثمان.

أو تعيش حالة مصارحة شجاعة وتعترف بأخطائها لتبدأ من جديد مستفيدة من الأخطاء بدل الدفاع عنها؟!

قيمة اية تجربة تكمن بمقدار الاستفادة منها، وها هي ذي تجربة الثورات المضادة التي حصلت في المنطقة العربية، وخاصة في سورية تقدم العديد من الدروس، والعبر، وتكشف العديد من الأسرار على كل الأصعدة: الاقتصادية، والفكرية، والاجتماعية، والسياسية، وتكشف طبيعة الصراعات الدولية والإقليمية، التي تعمل من أجل خلق وقائع جديدة لرسم حدود واصطفافات تتناسب مع المعطيات الجديدة، تتغير من خلالها لوحة الصراع القديمة وخلق لوحة صراعات جديدة، تكون المنطقة العربية ضحيتها ومسرح عملياتها.

فهل من صحوة عروبية تولد من رحم المأساة؟ أم ستستمر المنطقة أدوات لمشاريع دولية وإقليمية!؟

 

العدد 1102 - 03/4/2024