الناتو العربي ينقل الحرب من سورية إلى لبنان.. والسبب رأس المقاومة!
لماذا التركيز على حصار لبنان من قبل الدول الخليجية؟!
محمد علي شعبان:
ربما الإجابة عن هذا السؤال قد تكون صعبة جداً.
لكن لابدّ من مقاربة الأمر بشكل نسبي لعلني أستطيع الإجابة التي تحمل في داخلها احتمالات نجاحها، أو فشلها، ما دمت لم أتمكن من الحصول على معطيات صحيحة، تساعدني في مقاربة الأمر.
لقد بدا واضحاً أن الحرب على سورية، التي قاربت أحد عشر عاماً، لم تحقق أهدافها التي قامت من أجلها. وكانت تهدف لتحقيق أمن الكيان الصهيوني في المقام الأول، وذلك بالتضييق والحصار على حزب الله اللبناني، وقطع خطوط الإمداد عنه، وإقامة نظام حكم في سورية شبيه بأنظمة الحكم في باقي الدول العربية التي يطلق عليها (دول الاعتدال العربي) التي وقعت اتفاقيات مع الكيان الصهيوني.
لكنها نجحت في تدمير البنية التحتية في العديد من الأماكن على الأرض السورية.
كما نجحت في خلق انزياحات بالوعي الوطني، وتناقضات داخل البنية المجتمعية، أدت لاستمرار الصراع داخل المجتمع. وعملت على إيقاظ النزعات الطائفية والقومية، التي استثمرتها الدول التي أشعلت الحرب على سورية.
لكنها لم تحقق هدفها الأساسي في تطمين الكيان الصهيوني ومن يقف معه أنه أصبح آمناً.
على العكس تماماً.
لقد أصبح الكيان الصهيوني أكثر هشاشة من ذي قبل، رغم الاتفاقات التي وقعت بين قادة الكيان وبعض الدول الخليجية.
فقد انكشفت بعض العلاقات السرية التي كانت موجودة سابقاً، بين بعض الدول الخليجية التي ساهمت في تشكيل (الناتو العربي) والكيان الصهيوني.
وانكشف معها، الخطاب المزيف الذي استمرت به تلك الدول لعقود من الزمن، والذي ضللت به الشعوب العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني بشكل خاص. وعرف الشعب الفلسطيني من هي الجهات التي كانت تقف ضد وحدته، وتعمل على تعزيز الانقسام داخل صفوفه.
لقد كشفت المعطيات الجدية أن الكيان الصهيوني لا يقيم وزناً لمواقف الدول العربية مجتمعة.
لكنه يخشى غضب حزب الله اللبناني. وبالجواب عن سؤال من يقف ويدعم حزب الله في لبنان؟ نجد أن الصهاينة يتوجسون من وجود أي قوات إيرانية على الأراضي السورية، لذلك ظهرت الوثيقة الأردنية تؤكد على إبعاد إيران عن أماكن محددة في سورية، تبديداً للقلق الصهيوني من وجودها.
ليس خطأ الاعتراف أن الجمهورية الاسلامية في إيران كانت الرابح الأكبر في عدة حروب قامت بها الإدارة الأمريكية، بداية من غزو أفغانستان مروراً بغزو العراق، والحرب الجائرة على اليمن، وانتصارات حزب الله اللبناني على الكيان الصهيوني خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأخيراً الحرب الظالمة على سورية التي ساهمت بإظهار قوة وإرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وزادت خوف قادة الكيان الصهيوني الدائم من ازدياد نفوذها على الأراضي السورية.
فهل تستطيع دول الناتو العربي تبديد هذه المخاوف لدى قادة الكيان؟
أعتقد أن معظم الدول الخليجية المتحالفة مع الكيان الصهيوني، وتخضع للإرادة الامريكية، تعيش حالة خوف وقلق من تنامي قدرات إيران من جهة وقدرات حزب الله اللبناني من جهة ثانية.
فكيف لها أن تبدد مخاوف قادة الكيان الصهيوني ما دامت خائفة؟! فكيف لخائف أن يطمئن خائفاً؟!
وبناء على ما ذكرته أستطع القول إن الحرب على سورية غيرت المعادلة التي كانت موجودة سابقاً. وكشفت الاستبطان الذي كانت تعيشه بعض الدول العربية.
وكشفت أن الإدارة الأمريكية ليست قدراً، وأن جميع أصدقاء أمريكا في الإقليم في حالة قلق بعد انسحابها من أفغانستان، والمؤشرات التي تفيد بانسحابها من العراق، ومن سورية، فكيف لهم أن يقدموا التطمينات، ما دداموا في حالة من الهلع مجرد إعلان أمريكا أنها ستنسحب من المنطقة.
إن ما ورد في الوثيقة الأردنية والرسائل التي حملها وزير الخارجية الإماراتي من مطالب، وحوافز مشروطة، تؤكد أن التحالف الصهيوأمريكي، وأدواته من دول الرجعيات العربية، يعملون معاً بهدف الحفاظ على أمن الكيان في حالته الراهنة.
هذا يؤكد مقدار الخوف الاسرائيلي من تنامي قدرات المقاومة، والتحديات الجديدة التي باتت تشكل مصدر قلق دائم، سواء من غزة أو من لبنان.
لماذا لم تذكر الوثيقة بين سطورها الجولان المحتل؟!
ماذا يعني تجاهل المصالح الوطنية السورية؟ ولماذا ذكر بند انسحاب القوات الأجنبية من سورية في النهاية؟ وعودة الأراضي السورية لسلطة الدولة دون ذكر الجولان، طالما أن بين سطور الوثيقة إصرار على خلق حالة استقرار جديدة للكيان على الحدود مع سورية؟!
ربما تقول المعطيات الجديدة شيئاً واحداً: إن الكيان الصهيوني ودول الخليج العربي، في حالة خوف شديد بعد التغيرات الجديدة، التي ظهرت عقب انسحاب أمريكا من أفغانستان، وعودة الدور الروسي لساحة الفعل، والتحدي الصيني الذي غير المعادلات في جميع بلدان العالم.
إذا كانت دول الناتو العربي وعلى رأسها الدول الخليجية، جادة في البحث عن الاستقرار، فعليها أن تعيد حساباتها على أساس المعادلات الجديدة، بعيداً عن إحياء مسار أثبتت الوقائع أنه لم يعد قادراً على الحياة.