ندوة في منتدى العلمانيين السوريين في السويد.. المشرقيون في أوربا: ثقافة واحدة أو ثقافتان؟

إدي توما_ ستوكهولم:

استضاف منتدى العلمانيين السوريين في السويد الأستاذ إدي توما، في فعالية لاقت أصداء إيجابية من المهتمين والمتابعين، وتنشر (النور) أبرز ما فيها:

نحن المشرقيين في أوربا: ثقافة واحدة أو ثقافتان

  • بدايةً، ماذا نعني بالثقافة عموماً؟

الثقافة عموماً مصطلح يدلّ على ما يحمله الإنسان من بنية فكرية تدل على طريقة تفكيره، إضافة إلى العادات والتقاليد واللغة والدين وكل ما يعبّر عن شخصيتنا بشكل جماعي لا فردي ويميّزها عن غيرها.

يتسم العالم اليوم بأن مجتمعاته صارت متعددة الثقافات، بسبب الهجرات والعولمة التي فتحت الحدود وجعلت التواصل والاتصال والتعاون بين الناس الذين يعيشون في أماكن مختلفة أسهل (الشركات والأبحاث متعددة الجنسيات). في هذه المجتمعات الجديدة يعيش أناس من خلفيات ثقافية متعددة. في السويد مثلاً شكلت المجموعات العرقية المختلفة تنوعاً فريداً، فالألمان واليهود والأوربيون الشرقيون، والأمريكيون الجنوبيون والأفارقة والقادمون من البلاد الناطقة بالعربية، جعلوا المجتمع اليوم مختلفاً عما كان عليه منذ مئة عام، إذ أصبحت السويد بلداً متعدداً ثقافياً.

السؤال الذي يطرح الآن: هل نحن البشر مختلفون أم متشابهون؟ في أي شيء مختلفون وفي أي شيء متشابهون؟ هل اختلافنا أو تشابهنا يؤثر في القیمة الفردیة أو الجماعیة لنا؟ هل القیم والأخلاق أمر نسبي یختلف من مكان إلى آخر أم أنه من القیم المشتركة بین الشعوب، شرعة حقوق الإنسان. المساواة العدالة – الحریة الكرامة… هل تركت العولمة والتعدد الثقافي تأثیرها في الجانب الأخلاقي والقیمي. اللباس (الحجاب)، الزواج، الطعام (الحلال). لكن ألیست هنالك قیم مشتركة؟ هل یؤدي اختلاف الثقافات إلى تقبل بعض القیم ورفضها؟ (تقبل أنواع أخرى للطعام أو للزواج) هل هو تشابه في القاعدة الأساسیة واختلاف في الوسائل؟

فهل تنجح العلاقات الاجتماعیة بین أشخاص ینتمون إلى ثقافات مختلفة؟ لماذا أغلب الوافدین یتزوجون من ثقافاتهم الأصلیة؟

بدایة عن التنوع الثقافي في مجتمعات الیوم، ما الثقافة التي أحملها؟ ما ثقافة البلد؟ التشابه والاختلاف، سمات العیش المشترك.

نحن القادمین إلى أوربا هل علینا أن نحافظ على ثقافتنا الأصیلة أم نعیش الثقافة الجدیدة، أم نعیش بثقافة ولیدة متوازنة؟

هل یمكن العیش بثقافة واحدة في مجتمع متعدد الثقافات كالسوید مثلاً؟

في الحقیقة التقیت بأشخاص يحاولون العیش بثقافة واحدة هي إما ثقافتهم الأم أو الثقافة السویدیة التي استنسخوها محاولين عدم الالتفات إلى الوراء للنجاح في الحیاة الجدیدة. لكنهم یسمون أبناءهم بأسماء تنتمي إلى ثقافتهم الأم، ویتناولون المأكولات التقلیدیة في بیوتهم. أما أن تكون هذه الثقافة ولیدة ومحصلة اندماج ثقافي بین عنصرین أصلي، وحدیث، فهذا أمر آخر ونافع، لأنه یكون قد ألقح الثقافتین وأخذ من كل منهما ما یناسبه.

السؤال التالي متمم للأول وهو: هل یحمل المغترب ثقافتین؟ كیف یحافظ على الأولى ویأخذ من الثانیة؟ المغترب یحمل معه ثقافته الأصلیة أولاً، ثم تبدأ الثقافة الجدیدة تتخلل الأولى وتقوى مع الأیام. یستطیع بكل تأكید أن یحافظ على الأولى ولاسیما الیوم حیث الفضاء المفتوح مع إمكانیة الالتقاء بأصحاب الثقافة المشتركة في نوادٍ ومنظمات اجتماعیة مختلفة (النادي السوري).

الدولة السویدیة توفر لنا الوسائل التي تساعدنا على الحفاظ على ثقافتنا الأم، مثل الأندیة والمنظمات وتعلیم اللغة الأم في المدارس  ما رأیك بتدریس اللغة الأم في المدارس السویدیة وأهمیته؟ هذا الأمر هام لأنه یعزز هویة الفرد متعدد الثقافات ویشعره بأهمیة الثقافة الأخرى ومن هنا یأتي دور المدرّس في انتقاء ما یطور لغته الأم ویعمق شعوره بهویته. وهو یستطیع الأخذ من أبناء الثقافات الأخرى من خلال دوره في المجتمع والالتقاء بأبناء هذه الثقافات.

وهذا یؤدي إلى الحدیث عن الثقافة الثالثة التي اصطلحها الأخ طلال.

ما سمات ما یمكن ان نسمیه مجازاً: (الثقافة الثالثة) بمعنى المزیج من الثقافتین وهو ما نصادفه عند الجیل الثاني وما بعده من المغتربین؟ هل یحمل الجیل الثاني والثالث ثقافتین أم ثقافة ثالثة؟ هو اصطلاح جید إن كان یدل على حاصل اندماج عدة ثقافات بحیث نكون قد أخذنا المفید من كل منها. لكن قد لا تكون فقط في الجیل الثاني ربما تكون أوضح فیهمن لكننا نجدها عند بعض الأشخاص المندمجین في المجتمع الجدید من الجیل الأول.

لكن هل هذا القول مجرد كلام نظري أي هل ینطبق واقعیاً؟

ما الذي یساعدني على الاندماج في المجتمع الجدید؟ ما شروط الاندماج وهل تنجح؟

الدخول في سوق العمل، تعلم اللغة – تقبّل الآخر المختلف واحترام التعددیة، احترام قوانین المكان الذي أعیش فیه، أعمل وفق نمط العمل السائد لا كما كنت أعمل في بلدي الأم.

كلما تعمقت علاقاتنا مع الآخرین ازدادت الحاجة إلى قیم مشتركة. كلما ازداد الاندماج في المجتمع قلت نسبة الانعزال وقل النزاع.

وهذه بالمناسبة لیست مسؤولیة الفرد فقط وإنما هي مسؤولیة الدولة المستقبلة أيضاً. وهذا ما أدى إلى أزمة كبیرة عندما قامت الدولة باستقبال عدد كبیر من الوافدین عام ٢٠١٥ دون أن تكون مستعدة لذلك مما خلق أزمة سكن وأزمة عمل، وأزمة إداریة.

ما دور مؤسسات الدولة وهیئات المجتمع المدني في مساعدة المهاجر كي یصبح ذا ثقافتین؟ المسؤولیة كبیرة في إیجاد الدورات التأهیلیة المناسبة وتأمین فرص التطور للفرد كي یستطیع الدخول في سوق العمل والاندماج.

على الصعید الشخصي وجدت فائدة كبیرة في جهات غیر رسمیة مثل النادي السوري بما لا یقل أهمیة عن الـ SFI. حتى على صعید العمل فقد أفادتني العلاقات الشخصیة أكثر من مكتب العمل الذي كان یهتم بالأمور الإداریة أكثر من اهتمامه بتأمین الفرص الحقیقیة والدورات المناسبة.

لكن رغم كل الجهود المحیطة یجب أن یكون هناك جهد فردي، فهناك أشخاص یفضلون البقاء داخل بیئات تشابه مجتمعاتهم الأم فیرسلون مثلاً أبناءهم إلى مدارس محددة.

هل تساعد المدارس الخاصة على خلق مواطن ذي ثقافتین؟ المدارس الخاصة أنواع منها ما یتبع أسالیب تدریسیة معینة مثل مونتیسوري، ومنها ما یتبع اتجاهات دینیة مختلفة مثل المدارس الإسلامیة أو المسیحیة بتنوعاتها. النوع الأول من المدارس لا یلعب دوراً كبیراً في خلق ثقافتین لأن الطلاب فیها متنوعون تنوع المجتمع ذاته والمناهج تراعي هذا التنوع. أما النوع الثاني فیحتوي مجموعة محددة من النسیج الاجتماعي التي فضلت أن تكون ضمن الإطار الذي یشبهها، وهذا الأمر في رأیي یعزز الثقافة الواحدة وهي غالباً الأصلیة ويضعف اندماج المرء في المجتمع.

في الفترة الاخیرة أُغلق عدد من المدارس الخاصة ذات التوجه الدیني؟ ما رأیك بمثل هذه المدارس في مجتمع علماني كالمجتمع السویدي؟ المدارس الدینیة من میزات المجتمع العلماني الدیمقراطیة الذي یؤمن بالآخر المختلف ویترك له حریة الاختیار. لكن بعض الأشخاص أساء التصرف واستغل هذه المیزات بما یناسب توجهه الخاص. وهو في كثیر من الأحیان یؤثر سلباً في غیره ویهز ثقة مؤسسات الدولة بالمجموعة الكبرى. إذا فكرنا بالطرف الآخر في هذا المجتمع. ألیس من حقه أن یشعر بالخشیة على ثقافته؟ هل تزاید شعبیة الأحزاب السویدیة المحافظة یعكس خشیة على الثقافة المحلیة أم هو خوف وجودي أم هو رد فعل تجاه تصرفات بعض المهاجرین؟ (تقریر عن نسبة الجرائم بین المهاجرین).

 

الخاتمة

كما ذكرنا سابقاً، المجتمعات الحدیثة تنوعت ثقافیاً حتى في بلداننا الأصلیة لم تعد المجتمعات كما كانت علیه سابقاً. هذا التنوع العرقي والدیني والثقافي أمر واقع سواء هناك أم هنا، لكنه قد یؤدي إلى نزاعات اجتماعیة قد تصل إلى حرب أهلیة مما توصل إلى انقسام المجتمع. أو إلى إیجاد أرضیة مشتركة تحافظ فیها كل جماعة على خصوصیتها من جهة، ومن جهة أخرى تتقبل باحترام الثقافات الأخرى، وتتبادل مناحي الحیاة مع الآخرین بانفتاح دون تجاوز الحدود الأخلاقیة لهم. في النهایة نقول هي ثقافة القیم المشتركة والوصول إلى تسویة وإدراك أن البلد الذي أتیت إلیه فیه بعض الجوانب التي قد لا تتفق مع ثقافتي، ولذلك یجب أن أدرك تماماً أنه كما أن هناك میزات أجدها سأقدم بالمقابل تضحیات في جوانب أخرى.

شكراً لمشاركتكم واستماعكم.

العدد 1102 - 03/4/2024