تقوّلات لحفظ ماء الوجه
د. صياح فرحان عزام:
كثرت وتنوعت الادعاءات والتبريرات الأمريكية حول الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان، الذي أجمع العديد من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين على أنه أقرب إلى الهزيمة الحقيقية.
وآخر نموذج من هذه الادعاءات والتبريرات ورد في تقرير نشرته شبكة (سي. بي. أس. نيوز) الأمريكية جاء فيه (إن طالبان انتصرت بفضل المناخ واحتباسه الحراري)!
ومما لا شك فيه أن هذا الكلام ليس على سبيل السخرية والتهكم على مصائب المناخ التي تحل بالعالم من فيضانات وسيول وارتفاع درجات الحرارة، وما نجم عن ذلك من كوارث، وإنما حيلة إعلامية لحفظ ماء الوجه الأمريكي أمام حلفاء الولايات المتحدة في أفغانستان.
ويقول التقرير إن أفغانستان تعرضت في العقود الأخيرة لفيضانات وجفاف أهلك المحاصيل، وصار ثلث سكانها يعانون من الجوع، فالزراعة تمثل 30٪ من اقتصاد أفغانستان، ويمضي التقرير في القول: كانت طالبان تتدخل لدى حكومة كابول لحل مشاكل وقروض المزارعين الأفغان، وأصبح من السهولة بمكان استعانة طالبان بالمزارعين وبدعمهم خلال انتشارها في البلاد. ويأتي الدعم (المادي من قبل طالبان للمزارعين من سيطرتها على (تجارة الخشخاش) المربحة، علماً بأن زراعته تحتاج إلى مياه أقل، وهو ما ينافي ما تردد عن وعد طالبان بمساعيها للقضاء على مخدر (الهيروين) الذي جاء على لسان (ذبيح الله) المتحدث الصحفي باسمها، إضافة إلى ذلك فهي قد نجحت -أي حركة طالبان- في القضاء عليه خلال فترة حكمها الأولى لأفغانستان في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وذلك في أعقاب الفتوى التي أصدرها زعميها آنذاك (الملا عمر) بتجريم الهيروين.
وامتداداً لفكرة حفظ ماء الوجه هذه، وفي سياق الادعاءات والمزاعم الأمريكية حول تبرير الانسحاب يلقي عدد من خبراء أمريكا وزعمائها باللوم على تخاذل وضعف الجيش الأفغاني وقواته الأمنية، بالرغم من أعدادها الكبيرة والتدريبات التي تلقتها على يد الجيش الأمريكي والأسلحة الحديثة التي زودت بها، بمعنى أنهم اتفقوا جميعاً على مقولة عدم هزيمة أمريكا ونجاحها في دحر الإرهاب، وأن الهزيمة سببها الرئيسي، بل الوحيد، هو فشل الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني.
بعد هذه التقولات الأمريكية التي لا يقتنع بها عاقل، تفيد عدة تقارير أمريكية وأوربية صدرت في أعقاب الانسحاب أن أراضي أفغانستان تستحوذ على ثروات طبيعية هائلة أهمها: الليثيوم، والحديد، والنفط، وأن واشنطن والعواصم الغربية الأخرى الحليفة لها تخشى من انقضاض الصين وروسيا على المعادن المخبوءة في الأراضي الأفغانية والتي تقدر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار، وهذا ما صرح به حامد كرزاي الرئيس الأفغاني الأسبق، مع توقعه بأن الحكومات السابقة لو استغلت ثروات البلاد لكانت ارتقت أفغانستان إلى مصاف الدول الغنية، مؤكداً أن كلامه هذا يستند إلى مسح جيولوجي دقيق وشامل أجربته وكالة أمريكية رسمية.
طبعاً ليس من المستبعد أن أمريكا استغلت هذه الثروات أثناء بقائها في أفغانستان لمدة عشرين عاماً، ولكن ما يثير الدهشة لماذا تتركها وتغادر؟ أم هو غباء غير مدروس؟ ولهذا من المحتمل جداً في الأيام القادمة أن تصحح أخطاءها وتضع الخطط اللازمة لكيفية احتكارها.
ولا يختلف نموذج أفغانستان كثيراً عن واقع الدول الإفريقية التي كان المحتلون الأجانب الغربيون يمتصون خيراتها وينهبونها علناً.
وتفيد الأخبار حالياً بأن الولايات المتحدة والدول الأوربية تضع نصب أعينها مسألة استثمار ثروات أفغانستان، خاصة معدن الليثيوم الذي يعد مصدراً مهماً في إنتاج البطاريات الكهربائية وصناعة الأدوية وغير ذلك.