التحوّل التركي.. العودة إلى بيت الطاعة الأمريكي!

د. صياح فرحان عزام:

غني عن الذكر أن تركيا هي البلد المسلم الوحيد في حلف الناتو، رغم ذلك، فإن الولايات المتحدة تنظر إليها على أنها مصدر للجنود الذين يُرسلون إلى جبهات متعددة ليموتوا هناك بدلاً من الجندي الأمريكي والأوربي الأبيض!

لقد عرف وجود تركيا في حلف شمال الأطلسي موجات مد وجزر بين أنقرة وواشنطن، وصلت أحياناً إلى حد فرض عقوبات عسكرية على تركيا، فيما أغلقت أنقرة قاعدة (إنجرليك) أمام القوات الأمريكية، ولم يتغير الوضع بانتهاء الحرب الباردة، لأن الصراع الأمريكي استمر مع روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، لكن تركيا في ضوء سياسة ما يسمى (صفر مشاكل) كانت تزيح البوصلة قليلاً لتمنح علاقاتها الخارجية مساحة أكبر للمناورة، الأمر الذي أزعج واشنطن ودفع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2016 إلى دعم محاولة الانقلاب على الرئيس التركي أردوغان، إلا أن مجيء دونالد ترامب رئيساً أتاح بناء علاقات شخصية جدية بين أردوغان وترامب.

ومع مجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض ازدادت مخاوف أردوغان من ذلك، لأن بايدن كان نائباً للرئيس عام 2016، كما أنه توعد أردوغان بإسقاطه في معركة الرئاسة التركية بطريقة ديمقراطية، وهكذا لم تكن مؤشرات ما بعد انتخاب بايدن مريحة لتركيا، فبايدن لم يتصل بأردوغان إلا بعد ستة أشهر من انتخابه، ليبلغه قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالإبادة الأرمنية، ومع ذلك اعتمدت تركيا سياسة التهدئة مع بايدن، وعلّقت أهمية كبيرة على لقاء بروكسل الذي انعقد في 13 حزيران الماضي بين الرئيسين على هامش قمة حلف الأطلسي.

ورغم أن لقاء بروكسل هذا بين الرئيسين بايدن وأردوغان لم يؤدِّ إلى حل المشكلات الشائكة بين البلدين، خاصة منها صفقة صواريخ (أس 400) الروسية لتركيا، والموقف الأمريكي من القوات الكردية في سورية التي تصفها تركيا بالإرهابية، رغم ذلك فإن ما أعقب اللقاء من خطوات تركية تشير بوضوح إلى أن أنقرة في الطريق للعودة إلى بيت الطاعة الأمريكي أكثر من قبل. ويتجسد ذلك في عدة قضايا ومواقف تفرح الولايات المتحدة وتزعج في الوقت نفسه روسيا والصين وإيران، وهذا بالتحديد ما تريده واشنطن، فما هي هذه المؤشرات التي تدل على (التحول التركي) الجديد؟

– المؤشر الأول قبول أنقرة بمهمة حماية مطار كابول وتدريب الشرطة الأفغانية، بدلاً من قوات حلف الناتو، التي انسحبت من هناك. ورغم التلاعب التركي حول هذا الموضوع بأن أنقرة سترسل جنودها إلى هناك بصفة تركية وليست أطلسية كما ادعى أردوغان في إعلامه، لكن حركة طالبان أعلنت أنها ضد استمرار وجود أية قوات أطلسية في أفغانستان، وأنها ستعاملها كقوات محتلة. بالطبع هذا التصرف التركي بقبول أمر المهمة الأمريكي يثير غضب روسيا وإيران والصين، إذ إن أفغانستان تحد الصين من منطقة (الإيغور) التي تمد تركيا بآلاف المسلحين، وقريبة من روسيا، ومحاذية لإيران التي تخشى دوراً تركياً معادياً في أفغانستان، بالتواطؤ مع حركة طالبان نفسها.

– المؤشر الثاني هو الموافقة التركية على مقررات الناتو في 14 حزيران الماضي المتعلقة بتعزيز وجود الناتو في البحر الأسود براً وبحراً وجواً، والعمل على ضم جورجيا وأوكرانيا، كما جاء في البيان الختامي لاجتماع الناتو، وكل هذا يشكل مصدر قلق لروسيا.

– أما المؤشر الثالث، فهو عزم تركيا على المشاركة فيما يسمى (منتدى تحرير القرم) المزمع عقده في كييف بأوكرانيا، أواخر شهر آب المقبل.

– المؤشر الرابع والمقلق أكثر لروسيا، هو المناورات الأطلسية الكبيرة في البحر الأسود، والتي تشارك فيها تركيا، ذلك أن هذا البحر كان على امتداد الحرب الباردة بحيرة سوفييتية، وحلف الناتو يحاول الدخول بقوة إلى هذا البحر بمساعدة تركيا، وقد استدعت المناورات المذكورة اجتماع وزير الخارجية الروسي لافروف بنظيره التركي مولود تشاويش في أنتانيا، لإبلاغه رسالة قلق عاجلة من روسيا حيال التحركات الأطلسية المدعومة تركياً.

الخلاصة.. لقد ربط المراقبون الانزياح التركي نحو الولايات المتحدة بعاملين اثنين هما:

أولاً- شعور تركيا بالضغوط الأمريكية والغربية عليها، وتأثير ذلك على تراجع الاقتصاد التركي.

ثانياً- والعامل الثاني والأهم، هو رغبة أردوغان في توفير ظروف أكبر لفرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية عام 2023، إذ إن السكوت المفاجئ لأمريكا حول مسألة (إس 400) و(إف 35) قد يكون جزءاً من التفاهمات الأمريكية – التركية التي قد تظهر تباعاً في وقت لاحق.

 

العدد 1102 - 03/4/2024