أوائل صيف!
محمود هلال:
لقد حلّ صيف هذا العام وبدأت أربعينيته بموجة حارة من أواخر شهر حزيران، إذ ارتفعت درجات الحرارة أكثر من معدلها بنحو 7 درجات، وهجم الحر الشديد فجأة، ومازالت الهجمة مستمرة مع بداية شهر تموز تأكيداً للمثل القائل: (في تموز يغلي الماء في الكوز). ويبدو أن الارتفاعات الحاصلة بدرجات الحرارة لم تؤثر على حرارة الجو فقط، بل كان لها انعكاساتها وتأثيراتها على ارتفاعات أخرى طالت حياة المواطن المعيشية، ويبدو أنه من أوائل الصيف (كاد الكرم يعتصر)!
فقد رفعت الحكومة مؤخراً أسعار الأدوية بنسبة 35%، ثم رفعت أسعار المواد التموينية المدعومة (الرز والسكر) بنسبة 100% بعد انقطاع في تسليم هذه المواد لمدة شهرين، إن كل ذلك بالتأكيد سيكون له تأثيره على حياة المواطن وسيرفع من درجة حرارته ومن ضغطه، وسيضاعف من همومه ومشاكله، وربما سيؤدي ذلك إلى انفجاره لعدم قدرته على التحمل أكثر.
يكظم المواطن عندنا غيظه وغضبه طيلة اليوم، لأنه يمضي أيامه مهموماً ومغموماً من كثرة مشاكل الحياة وصعوباتها، وذلك في سبيل تأمين المتطلبات الأساسية ليعيش حالة أشبه بالحياة مع أسرته وأولاده، فيركض طوال النهار دون كلل ولا ملل مؤثراً الصمت على الكلام كي لا يصطدم مع الآخرين، على أمل أن يأتي الليل فيريحه من هموم النهار. لكن هيهات أن يرتاح، إذ تأتيه كوابيس الليل عندما يفكر في اليوم التالي، وهكذا يتكدس الغضب في داخله من جديد.
هناك كثير من الخيبات والصدمات التي يتلقاها المواطن يومياً تستحق الغضب، فمن الطبيعي أن يغضب وهو ينتظر 100 يوم أو أكثر لوصول رسالة الغاز، وبعد انقطاع الكهرباء لـ 6 ساعات متواصلة أو أكثر في هذا الطقس الحار، وطبيعي أن تكون ثورة الغضب أكبر عند سكان المدن والقرى في الأرياف التي فيها مياه الشرب قليلة والتي لا تصلهم سوى مرة في الأسبوع، ويكون الاعتماد الرئيسي على شراء المياه من أصحاب الصهاريج، وغالباً تكون أسعارها كاوية مثل أسعار باقي تجار الأزمات الذين لا رحمة في قلوبهم، بل يزيدون من جشعهم أكثر فأكثر، فأصبحت أسعارهم (جهنمية) مثل أجواء هذا الشهر، إذ وصل سعر أسطوانة الغاز عندهم إلى 60 ألف ل.س، أي ما يعادل راتب الموظف الحكومي الذي يوزع راتبه على الدائنين من بداية الشهر، وطبيعي أن يغضب بعد هذا الغلاء الفاحش لأسعار اللحوم والخضراوات والفواكه وغيرها من السلع الأساسية من زيت وسمن وبيض وألبان وأجبان، ويصل به الأمر أن يشتهي كل شيء!
لقد تحمّل المواطن عبء الأزمات وصمد وصبر على الفقر وعلى الجوع والحرمان لسنوات، وأتخم بالوعود على أن القادم أفضل وأحلى والصبر مفتاح الفرج، لكنه ملّ الصبر ولم تفرج أزمته (وللصبر حدود!)، ينتظر المواطن قرارات حكومية مثل زيادة الرواتب والأجور للموظفين والعاملين في الدولة لتقلص الهوة الكبيرة الحاصلة بين الأجور والأسعار، ولتبرد من حرارتهم وتخفف من حدة ضغطهم وترفع من معنوياتهم ومستواهم المعيشي، خاصة في هذا الشهر التموزي الذي يتطلب نفقات كبيرة من أجل وضع المؤونة وما تتطلبه الأسرة من برغل وكشك ومربيات وغيرها، كما أنه في هذا الشهر سيحل علينا في أواخره عيد الأضحى المبارك، وهذا يتطلب أيضاً ميزانية خاصة به ونفقات إضافية لشراء ألبسة وأحذية للأولاد، وقد أصبحت أسعارها فوق المستطاع، فضلاً عن مستلزمات العيد من حلويات وضيافة وغيرها.
المواطن اليوم مازال ينتظر الإغاثة، فهل من مغيث؟