حول النهج العملي لإدارة بايدن مع كوريا الديمقراطية

د. صياح فرحان عزام:

من المعروف أن قمةً عقدت في سنغافورة بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ إيل قبل عامين، ووصفت آنذاك بأنها (قمة تاريخية)، إلا أن العلاقات عادت إلى المربع الأول، فقد استؤنفت الحرب الإعلامية بين الطرفين، الأمر الذي أثار المخاوف مجدداً من القيام بالتصعيد كما حصل قبل قمة سنغافورة، ومن ثم القمة التي عقدت في المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الكوريتين، حين وطئت قدما الرئيس السابق ترامب أرض كوريا الديمقراطية، في سابقة لرئيس أمريكي.

وقبل عامين، كانت الآمال معلقة بأن تكف الولايات المتحدة عن استفزازاتها ضد كوريا الديمقراطية، وترفع الحصار عنها، ولو تدريجياً، وكذلك العقوبات المفروضة عليها ظلماً وبهتاناً، بحيث يبدأ تطبيع العلاقات بين الجانبين، وتعم حالة السلام والتعاون بين الشقيقتين كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية، لكن كل ذلك لم يحصل، بل تبخر بسبب تردد الولايات المتحدة وتفسيرها لنتائج القمتين كما يحلو لها ووفقاً لمصالحها الخاصة، وعدم تقديمها أية تنازلات عن مواقفها السابقة وشروطها التعجيزية، فهي كانت تخطط لتجريد كوريا الديمقراطية من أسلحتها النووية الدفاعية، دون أن تقدم لها شيئاً إيجابياً، لتستفرد بها مستقبلاً.

وكان الزعيم الكوري الشمالي قد وعد الرئيس السابق ترامب بالتخلي عن سلاح بلاده النووي، لكن مقابل رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده، أو على الأقل التخفيف منها، إلى جانب تقديم مساعدات أمريكية اقتصادية ومالية تساندها على تجاوز الضائقة الاقتصادية، لاسيما أن كوريا الديمقراطية قامت قبل ذلك بتقديم عدة مبادرات (حسن نية) ملموسة منها: تجميد عملية إطلاق الصواريخ الباليستية والعابرة للقارات، وتفكيك عدة مواقع لتجارب نووية، وإعادة رفات جنود قتلوا خلال الحرب الكورية.

ولكن رغم تقديم هذه المبادرات المهمة لم تحصل كوريا الديمقراطية على شيء، ولم تقدم لها الولايات المتحدة الأمريكية أي شيء إيجابي ومقبول، الأمر الذي أدى إلى تأزم العلاقات بين الجانبين.

أما إدارة الرئيس الأمريكي بايدن فقالت إنها أجرت مراجعة واسعة استمرت شهوراً لسياسة كوريا الشمالية، وإنها تعهدت باتباع ما أسمته نهجاً عملياً ومدروساً ومحسوباً يرتكز على الجهود الدبلوماسية لإقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن أسلحتها النووية.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان: (إن الولايات المتحدة ستنظر لمعرفة ما إن كانت هناك إمكانية للحوار أو نوع من الاتصالات المباشرة).

والسؤال، ماذا كان جواب كوريا الديمقراطية على أقوال وتصريحات الرئيس جو بايدن ومستشاره لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان؟

لقد ورد هذا الجواب على لسان كيم يو جونغ (شقيقة الزعيم الكوري الشمالي) التي صرحت بما يلي: (توجد لدى الأمريكيين تطلعات خاطئة، ومن شأن هذه التطلعات أن تغرقهم في خيبة أمل كبرى). وقد علق بعض المحللين والمراقبين السياسيين المتابعين للعلاقات الأمريكية مع كوريا الديمقراطية على تصريح شقيقة الرئيس الكوري قائلين ما معناه: إن كوريا الديمقراطية لا تثق إلى حد كبير بمثل هذه التصريحات التي وردت على لسان كل من الرئيس بايدن ومستشاره لشؤون الأمن القومي، لأنها ملتبسة وتقوم على خلفية نوايا أمريكية عدوانية لتجريد كوريا الديمقراطية من أسلحتها النووية الدفاعية من دون أي مقابل. وبالطبع فإن الزعيم الكوري الشمالي يعي ويدرك جيداً مثل هذه النوايا، ويعد العدة دائماً لإحباطها.

ويرجح هؤلاء المراقبون والمحللون أن تبقى العلاقات على ما هي عليه بين الجانبين، بسبب عدم وضوح الموقف الأمريكي تجاه كوريا الديمقراطية، ويضيفون إن توتر العلاقات بين واشنطن وبكين بسبب الحرب الاقتصادية الأمريكية على الصين وفرض العقوبات عليها، سيؤثر على ذلك، لأن بكين هي التي أقنعت بيونغ يانغ بالدخول في حوار مع إدارة ترامب، وبالتالي فهي لن تشجع كوريا الديمقراطية على الحوار مع واشنطن حالياً.

العدد 1102 - 03/4/2024