صحيفة (النور) مرآة صادقة لهموم الناس وطموحاتهم

على مدى العقدين الأخيرين من السنين، رسّخت صحيفة (النور) مكانتها المتميزة بين الصحف السورية من جهة، وفي الأوساط الشعبية والسياسية والفكرية من جهة أخرى. ولم يحدث ذلك بجرّة قلم أو بصورة فورية أو بفعل معقّد وخفي؛ بل جاءت قصة هذا النجاح نتيجة موضوعية وطبيعية لعمل دؤوب وجهود هادفة مدروسة وخبرة صحفيّة متراكمة، وطبعاً كل ذلك في إطار رؤية فكرية -سياسية متكاملة واضحة.

لقد توصلنا إلى هذا الاستنتاج بعد متابعة دائمة وقراءة متأنية دقيقة لصحيفة (النور) منذ أعدادها الأولى إلى اليوم، باستثناء ما صدر منها في ثلاث سنوات (من بداية عام 2009 إلى نهاية عام 2011)، فقد كنّا في أثناء ذلك بمهمة دبلوماسية خارج الوطن.

فتجربة (النور) برأينا المتواضع جديرة بالدراسة والاهتمام والتحليل، إذ استطاعت هذه الصحيفة رغم محدودية كادرها التحريري وانشغالاته الأخرى، ورغم الصعوبات الفنية و(اللوجستية) (مثل مشكلات التوزيع التي كنت أعرف تفصيلاتها بحكم عملي السابق لسنوات عديدة رئيساً لتحرير صحيفة (تشرين) ومديراً عاماً لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع)، ورغم ظروف كثيرة قاهرة تعرضت لها الصحافة السورية في سنوات الحرب التدميرية – الإرهابية الشاملة التي شُنّت على البلاد.. إلا أنّ (النور) صمدت وبقيت صوت الشعب الذي لا يستكين ولا يهادن ولا ييأس. دفاع مبدئي وحاسم عن الوطن وسيادته ووحدة أراضيه وجيشه الباسل، ورفض مطلق لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي بشؤونه، فضلاً عن رفض تدنيس أي شبر من ترابه الغالي. وفي موازاة ذلك عدم السكوت على الفساد والتخريب وسرقة المال العام وهدر موارد البلاد. ويتأسس على هذا النهج الوطني الواضح: الدفاع المستدام عن الكادحين وحقوقهم وقضاياهم، ومعهم الموظفون الصغار، وبسطاء الناس، وأولئك الذين رفضوا مغادرة أرضهم مهما كانت التضحيات جسيمة والتكاليف باهظة.

وطبيعي أن تنحاز الصحيفة للقطاع العام، الذي أثبت أنه السند الأقوى والأكبر لموارد الدولة، عندما فرّت رؤوس الأموال الخاصة (ليس كلها طبعاً وإنما نسبة عالية منها)، وهو الضامن الحقيقي لحياة الطبقة العاملة، رغم كل ما عاناه ويعانيه هذا القطاع من مشكلات حقيقية أو مصطنعة، بهدف (تخسيره على الدوام)، ونهبه، وإعاقة تطويره وتحديثه، ليشكل رافعة كبرى لمسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتقنية المأمولة.

لقد تنوّعت اهتمامات (النور) وقضاياها الدائمة: من الاقتصاد والسياسة، وهموم الوطن والمواطن، إلى شؤون الثقافة والأسئلة التي تطرح على صفحاتها حول كيفية الارتقاء بثقافتنا الوطنية، وكيفية تحصين شبابنا في مواجهة موجات التغريب وألاعيب الإعلام التجاري والفضائيات المغرضة، الهادفة إلى حرف أبنائنا وجرّهم إلى مستنقعات التطرف والطائفية والضياع.

(النور) أصبحت بحق عنواناً للمعالجات المتوازنة والواقعية، والمواقف المبدئية الثابتة في الانحياز للوطن ومصالح الشعب، والرفض المطلق للصهيونية وجرائمها العنصرية ومن يدعمها عالمياً وإقليمياً، وإدانة بلا حدود لانتهاكات القوى الامبريالية لحقوق الإنسان واستقلال الدول وسيادتها الوطنية.

لهذا، وبعد مرور هذه السنوات الطويلة، أصبح من المنطقي أن تستقطب (النور) كوكبة مهمة من المفكرين والباحثين والأدباء والإعلاميين السوريين من مختلف التخصصات العلمية والاهتمامات الثقافية والاقتصادية والسياسية، ممّن تجمعهم قضايا الوطن الأساسية، وهموم الشعب، والدفاع عن الثروات الوطنية، في مواجهة الشريحة الفاسدة والليبرالية المتوحشة، والفئات الطفيلية النهبية غير المنتجة؛ كما تتفق هذه الأقلام الوطنية الشريفة من أجل العمل على توعية الجيل الجديد تجاه المخاطر الهائلة التي تسعى لترويجها ونشرها الثقافة الاستهلاكية الهابطة، والاتجاهات الرجعية المعادية للتفكير العلمي السليم، وتلك الداعية للشعوذة ونشر الخرافة وتخدير الوعي وتغييب العقل.

فكلّ التحية وعميق الاحترام والتقدير لمن واصلوا الليل بالنهار، وتحدّوا المصاعب، مقتحمين بإرادة وعزيمة لا تلين مختلف العقبات والنواقص والظروف، ليظلّ نور (النور) ساطعاً مضيئاً لا يخفت ولا يغيب، بل قوياً وكاشفاً وهادياً.

دمشق في: 15 أيار 2021.

 

العدد 1104 - 24/4/2024