نحن.. والجبهة
حنين نمر – (عضو القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية رئيس الحزب الشيوعي السوري الموحد):
مضى على تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية 49 عاماً، ما يوجب إلقاء نظرة تقييم على وضعها بغية الاستفادة من دروسها، ورصد أهم ما حققته وما لم تحققه في هذه الحقبة الطويلة، التي نتهيأ فيها لعبور مرحلة جديدة عسى أن تكون أكثر عطاء وفاعلية، ونعتقد أن تقييماً معمقاً يجب أن تُجريه المكاتب السياسية لأحزاب الجبهة، وبذلك يكون أكثر شمولاً وتعبيراً وأكثر غنى.
ينبغي القول إن العديد من (الجبهات) قد تشكلت في المرحلة التي تلت الاستقلال، أحلاف ثنائية وأحلاف رباعية أو خماسية.. إلخ، وجميع هذه الأحلاف أو التعاون المتبادل بين أكثر من حزبين، كانت تعمل على هدي توجهات وطنية وقومية متقاربة. وقد شهدت هذه التحالفات تجارب عملية حول العديد من القضايا الجوهرية في الستينيات من القرن الماضي، إلى أن تأطّرت ضمن إطار الجبهة الوطنية التقدمية، منذ 1972 واتخذت طابعاً رسمياً. ويحكي التاريخ أن قيادات من الحزبين الشيوعي والبعثي قد التقوا معاً في سجن تدمر عام 1953، وكان ذلك علامة تشير إلى المستقبل، وها قد فعل.
وفي التطورات والأحداث التي عاشتها سورية لاحقاً ما يؤيد ذلك، وعندما توالت الأحداث والتقلبات السياسية في تلك الفترة، آلت الأمور إلى قيام الحركة التصحيحية عام 1970 بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، التي أعادت صياغة التحالفات على ضوء توزع القوى السياسية والانقسامات بشكلها الواقعي على التيارات القديمة والجديدة، كالتيار الوحدوي والناصري والاشتراكي والعربي والشيوعي.
وقد عملت الجبهة على توحيد الخطاب والخط السياسي بشكل دقيق، إذ لا يمكن قيام أي تحالف دون خط سياسي، وفي هذا المجال يمكن القول إن الجبهة، بفضل الوعي الوطني لقياداتها، تمكنت من التكلم بلسان واحد، وكانت وراء الجيش وقواه الرديفة وقدمت الشهداء بالألوف فضلاً عن الجرحى والأسرى.
وللحقيقة وللتاريخ نذكر أن الجيش كان يعتبر أن الجبهة الداخلية هي امتداد للجيش مع العدو الإرهابي، وكان يؤكد أن تلاحم الشعب والجيش عنصر أساسي في كسبه المعركة ضده.
نقول ذلك الآن أيضاً، إن معاركنا مع العدو الإرهابي لم تنته بعد وهي ليست معركة عسكرية مجرّدة، بل معركة شاملة تتناول جميع الأوجه كالاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم وغيرها.. وهذا يتطلب إعادة النظر بالأوضاع الداخلية، وعلى رأسها الوضع المعيشي للجماهير الذي لم يعد ملائماً.
إن المتابعين للتطورات السياسية داخلياً وإقليمياً يرون أن الولايات المتحدة قد تتساهل في بعض الأمور المتعلقة بالأوضاع الداخلية في معظم الجبهات التي تورطت بها باستثناء سورية، فهي لا تزال تعتبرها مفتاح الموقف في الشرق الأوسط.
ولما أدركت أمريكا أنها عاجزة عن قهر سورية عسكرياً، فإنها تركز الآن على حصارها اقتصادياً ومالياً، ويريدون تحطيم قدرة البلاد وجعلها عاجزة عن كسر طوق الحصار المفروض عليها.
وأكثر من سؤال يطرح نفسه الآن ونحن في خضم المعركة: هل يمكن ضمان النصر إن لم يتخلص المواطنون من الأزمة المعيشية التي تعصف بهم؟ وكيف يمكنهم الصمود تجاهها وهم يرون بعيونهم كيف تغنى قلة قليلة من الناس على حساب أكثرية الشعب، وبطريقة استفزازية؟ ولمصلحة من الصمت حيال الاندفاعة الجنونية لارتفاع الأسعار والنهب المتواصل لمداخيل العمال والموظفين وجميع فئات من ذوي الدخل المحدود؟
إننا نؤكد مطلبنا الذي طرحناه عدة مرات، بضرورة عقد مؤتمر اقتصادي يضم ممثلي الفعاليات الاقتصادية والأحزاب السياسية الوطنية، لبحث الوضع الاقتصادي وإعادة رسم الخريطة الاقتصادية للبلاد وتحديد اتجاهات التطور والحلول المطروحة.
وكما أسلفنا قبل قليل، وبسبب شمولية المعركة ضد الإرهاب المدعوم أمريكياً وتركياً وسعودياً، نرى أننا على أبواب استحقاقات دستورية وسياسية يتطلب الأمر مواجهتها بكل شفافية وصراحة، إذ لا مجال بعد الآن أن تتخلى الحكومة عن صلاحياتها و(تفوض) كبار التجار والمحتكرين بمهمة تحسين حياة الناس وأرزاقهم، أي أن الوضع يتطلب وضع حد للمتآمرين والمغامرين الذين يتقنون التهريب والمضاربة بالعملات الأجنبية، عوضاً عن توظيف أموالهم في استثمار صناعي أو زراعي، والتوقف عن تحويل اقتصادنا الوطني إلى اقتصاد ريعي.
لقد كانت الجبهة الوطنية التقدمية تجتمع لتستمع إلى تقارير عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ولكن دون أن يكون لها دور في إصدار القرارات الهامة.. إننا نعزو أسباب ذلك إلى طبيعة النظرة التي تنظر بها إليها السلطة، فالجبهة بنظر الكثيرين لا تتمتع بأي صلاحيات فعلية، وهذا ليس من مصلحة أحد.
إن المرحلة القادمة تشكل فرصة هامة لتوسيع هامش الحريات، العامة وللصحفيين، وتوسيع صلاحيات أحزاب الجبهة وتطبيق القوانين والدستور، وإشاعة الحرية، فهي سبيلنا لتقوية هذه الجبهة التي نعدها نواة للوحدة الوطنية.