المواجهة الأمريكية – الصينية.. إلى أين؟
د. صياح عزام:
لا شك في أن تكون أول زيارة لوزيري الخارجية والدفاع الأمريكي أنتوني بلينكن ولويد أرستن إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية، قد حملت أبعاداً ومعاني خاصة لافتة للنظر، وفي مقدمتها أن إدارة الرئيس جو بايدن وضعت علاقاتها مع الصين على سلم الأولويات، وعلى رأس الاهتمامات، وأنها قررت التبكير في المواجهة معها عبر تجديد وتوثيق التحالف مع هاتين الدولتين اللتين تعرضتا للكثير من المضايقات على المستويين السياسي والاقتصادي في ظل رئاسة ترامب، مثل مطالبتهما بدفع المزيد من تكاليف الوجود العسكري الأمريكي على أراضيهما وغير ذلك.
ونظراً لأهمية اليابان وكوريا الجنوبية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمواجهة الصين، فإن زيارة الوزيرين المذكورين لهما، تدل على أن هناك نهجاً أمريكياً يقوم على ممارسة أقصى الضغوط على الصين، وعزلها، ومعاقبتها، من خلال تمتين التحالف مع دول المنطقة التي تجاورها، والتي تبدي قلقاً مصطنعاً وغير حقيقي بما يسمونه تعاظم القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية، إلى جانب ما يزعمونه بأن الصين لم تقدم أية تنازلات حول الخلاف على جزر بحر الصين الجنوبي، والادعاء بأن هذه الدول لها أحقية في الجزر إلى جانب بكين، إضافة إلى سعي واشنطن لاستغلال هذا الخلاف لصالحها.
– أيضاً عادت مشكلة تايوان إلى الواجهة كمسألة خلافية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب أمور تقلق الأمريكيين- حسب زعمهم، منها: التوسع الاقتصادي الصيني في مختلف قارات العالم، والتقدم التكنولوجي السريع لبكين وتطور قدراتها العسكرية، وكلها ادعاءات وافتراءات غير محقة من جانب واشنطن، بل الهدف منها التصويب على بكين، والإيحاد لدول العالم بأن الصين لا تقبل بالحلول الوسط. وهذا المسعى الأمريكي يشير إلى أن المواجهة بين الدولتين كأنها أصبحت (حتمية)، لأن الولايات المتحدة ماتزال تتصور أن باستطاعتها أن تبقى متربّعةً على قمة النظام العالمي، وأنه لابد لها من القضاء على أي شريك محتمل ينافسها على القيادة.
إن ما ادعاه وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في العاصمة اليابانية طوكيو، وأيضاً في سيئول عاصمة كوريا الجنوبية بأن السلوك الصيني مزعزع للاستقرار، وممارسة عدوانية أكبر في الخارج – حسب تعبيره- مستشهداً على ذلك بملفات تايوان وبحر الصين الجنوبي، وقوله بأن المهم بالنسبة لنا أن نوضح معاً أن الصين لا تستطيع أن تأمل في التصرف من دون رادع، كل ذلك يدل بوضوح على أن إدارة الرئيس جو بايدن قد لجأت إلى خيار المزيد من التصعيد ضد الصين في إطار السياسة (الحازمة) التي أعلن عنها بايدن خلال زيارته لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في شهر شباط الماضي من هذا العام، بعد تنصيبه رسمياً رئيساً، خلفاً لترامب.
إن الشيء الأكثر خطورة في هذا السياق التصاعدي والتصعيدي للسياسة الأمريكية تجاه الصين، هو الخوف من الوقوع في (فخ الحرب)، والاعتقاد الخاطئ بالرأي المتمثل بأن المواجهة العسكرية مع الصين أمر حتمي، وهذا ما أشار إليه جراهام إليسون (أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد) في مقالة شهيرة نشرتها مجلة (ذي أتلانتيك) في عام 2015 قال فيها: (إن المقصود بالفخ هو المخاطر المحدقة، عندما تتنافس قوة صاعدة مع قوة مهيمنة، على غرار تحدي أثينا لإسبارطة في اليونان القديمة، أو تحدي ألمانيا لبريطانيا قبل قرن من الزمان).
الخلاصة.. من الواضح أن واشنطن عازمة على خوض مواجهة تصادمية مع الصين، معتقدة أن مثل هذه المواجهة ستعيق التقدم الصيني الاقتصادي، وستجعل بكين تتراجع عن مواصلة صعودها، وتقبل بما تمليه عليها الإدارة الأمريكية.
بالطبع مثل هذا الاعتقاد الأمريكي هو أقرب إلى الوهم أو الخيال، لأن الصين قوية وواثقة من نفسها ومن قدراتها، علماً بأنها تؤمن بالحوار لحل الخلافات الدولية وتعمل من أجله.