المادية التاريخية والصراع الطبقي.. في محاضرة

يوسف فرحة:

بدعوة من جمعية الأدب والثقافة، ومشاركة بعض الرفاق الشيوعيين في كندا وأمريكا عبر الإنترنيت، قدم د. طنوس شلهوب (الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية)، يوم السبت 20 آذار (مارس) 2021 محاضرة هامة، بشكل مفصل وواضح، حول المادية التاريخية والصراع الطبقي.. عرض خلالها بعض أفكار هيغل المثالية الذي يعتبر أن دليل العقل ينكشف من خلال الحقيقة الدينية، كما تطرق لبعض مفكري الاشتراكية الطوباوية التي ارتبطت بالثورة الفرنسية (1789-1799) روبرت أوين – سان سيمون – سان فورييه الذين رأوا أن الملكية الخاصة هي سبب البؤس الاجتماعي.

جاء ماركس فقلب نظرية هيغل رأساً على عقب، وقدمت الماركسية نفسها كعلم من خلال المادية التاريخية التي تدرس تطور المجتمع البشري، فقد أكد ماركس أن الناس يصنعون تاريخهم عبر القوانين العامة الشاملة لتطور المجتمع تبعاً لتطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، وبيّن المحاضر أهمية كتاب إنجلز (الاشتراكية الطوباوية والعلم).

وتطرق المحاضر إلى التشكيلات الاجتماعية بدءاً من المشاعية البدائية، إلى مرحلة العبودية، ثم الإقطاعية، إلى التشكيلة الرأسمالية، وقد بينت النظرية العلمية الماركسية أن تطور البشرية يقوم على التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج.

وفي النقاش العام والإجابة عن الأسئلة وصف المحاضر تطور الرأسمالية أنه كان على حساب ملايين البشر والشعوب المستعمَرة ونهب خيراتها وأن الرأسمالية لا يمكن أن تكون نهاية التاريخ كما افترض فوكوياما ذلك بعد الانقلاب على الاشتراكية، بل سيكون كما قال ماركس (نهاية تاريخ الاضطهاد عندما تزول الفروقات الطبقية). كما بيّن أن الديمقراطية البرجوازية ماهي سوى التضليل باسم الديمقراطية التي هي ديكتاتورية البرجوازية مؤكداً استمرار الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية، وأن كلاً منها ينشئ إيديولوجيته الخاصة به، كما أن الإمبريالية تروج للأفكار والأنماط خاصتها.

وفي إجابته عن سؤال – هل الذي فشل في الاتحاد السوفييتي هو المشروع الاشتراكي؟

قال – كيف نفسر الاتهامات الموجهة لستالين وعمليات التشويه لتاريخ البناء الاشتراكي – في عزّ الأزمة الرأسمالية عام 1929 عندما كان يتم إتلاف كميات هائلة من الرز في البحر – في تلك الفترة كان كل النهوض في الاتحاد السوفييتي يتحقق بالجهد الذاتي – وقد جرى تطوير التعاونيات الزراعية والبناء الصناعي.. لا يمكن اختصار التجربة الاشتراكية بالبيروسترويكا وما حصل. ليس صحيحاً أن الاشتراكية فشلت – لنأخذ أي دولة رأسمالية – ماهي حدود الديمقراطية؟ – الديمقراطية تبدأ بتوزيع الثروة – (250) شخصاً يملكون 2\3 من ثروات الكرة الأرضية – 60 مليون إنسان ولا واحد منهم عضو في الكونغرس الأمريكي – فرنسا وبريطانيا ديمقراطية هل تذكرون إضرابات عمال المناجم هناك أيام تاتشر – 90 ألف عامل تم تسريحهم إلى بيوتهم – تستطيع أن تصرخ وأن تشتم، ولكن عليك أن تفتش في الزبالة لتأكل.

في الاتحاد السوفييتي الجميع كانوا يعملون – الستالينية في الاقتصاد كانت هي مركزية الإدارة الاقتصادية التي نقلت الاتحاد السوفييتي من دولة متخلفة إلى دولة هي الأولى في العالم- التطوير الصناعي والزراعي وبناء المدارس والمدن – خلال 15 عاماً تحول إلى دولة نموذجية في العالم – المقارنة يجب أن تأخذ الظروف التاريخية لتطور المجتمعات التي ارتبطت بمشاريع بناء الاشتراكية.

البلدان الاستعمارية تحولت إلى إمبريالية فرضت أنماطاً لعلاقات الإنتاج تخدم المراكز الإمبريالية، وهذا أعاق المسار الطبيعي للقوى المنتجة وحتى وجود أنماط إنتاجية مختلفة.

حتى في الاتحاد السوفييتي كانت هناك أنماط اجتماعية تمت خلال فترة التخلص منها – القوانين الخاصة لا تنفي القانون العام – وجود القبائل تعيش في الأمازون لا ينفي قانون التطور البشري.

وعن واقع الأحزاب الشيوعية العربية قال:

– الحزب الشيوعي اللبناني تأسس بمعامل الدخان والتبغ والطباعة والنسيج بدءاً من 1924 في الأوساط العمالية – يوسف إبراهيم يزبك كان مثقفاً وفؤاد الشمالي بقي عاملاً – الحزب الشيوعي السوداني والحزب الشيوعي المصري قواعدهم في الأوساط العمالية بشكل أساسي – تجربة الأحزاب الشيوعية العربية بحاجة إلى دراسة – كما أن تراجع حركة التحرر الوطني يجب دراستها –لا يمكن أن نتهم الأحزاب الشيوعية أنها تفتعل الصراع الطبقي –نضالنا الآن للتحرر الوطني أليس هو صراعاً طبقياً – نعم هو نضال وطني تحرري وهو نضال طبقي – نضال الشعب الفلسطيني ضد مستعمر يستهدف السيطرة على الثروات في المنطقة هو نضال طبقي. مضمون الصراع الطبقي هو أوسع من أن يكون بين الطبقة العاملة والبرجوازية – في زمن الإمبريالية يصبح أقوى – بحسب الظروف التاريخية يأخذ أشكالاً مختلفة مثلاً في لبنان عندما أضرب عمال معامل غندور، والشيوعيون عندما قاتلوا إسرائيل كانوا يخوضون صراعاً طبقياً. (يجب إعادة قراءة تجربة الحركة الشيوعية العربية لصياغة خلاصة موضوعية)

ركز المحاضر على الحتمية التاريخية للاشتراكية وعلى كتاب لينين (الدولة والثورة) وعلى ضرورة بحث التجربة السوفييتية لنرى أين الخلل، مؤكداً أنه في الاشتراكية يصبح العمل جزءاً من متعة الإنسان والعيش والتمتع.

وعن رأس المال المالي – موضوع تمركز رأس المال حكى عنه ماركس في الاقتصاد السياسي.

الظروف التاريخية التي أتيحت للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية استطاعت أن تراكم ثروات هائلة – مما أعطى الرأسمال المالي العابر للقارات القدرة على التحكم بالأسعار والأسهم على مستوى العالم.

الانتقال من العولمة وظاهرة ترامب وعودة التدخل بالسوق – النمو الذي تحقق في الصين يشكل تهديداً لقدرات المنظومة الرأسمالية التي توظفها. – الأزمات داخل الرأسمالية تخلق أزمات احتجاجية عرقية – ملايين البشر على هامش الحياة – هذا هو النموذج الذي تقدمه الرأسمالية – هناك عودة إلى ماركس على مستوى الأحزاب التقليدية – في الحزب الديمقراطي هناك عودة للماكنزية بطرحه قضايا السكن والعمل… وهي القضايا الأولى التي بدأها الاتحاد السوفييتي – يمكن القول أن الصراع معقد جداً ولا يمكن معرفة متى تنهار الرأسمالية لكنها كمنظومة تضع البشرية أمام حائط مسدود أمام مختلف الأزمات البيئية العميقة وغيرها – الرأسمالية بمشروعها تدمر كل التوازن خلال فترة زمنية قصيرة بتأثيراتها السلبية على القطب الشمالي والقطب الجنوبي وعلى الأوزون – تفكير علماء الرأسماليين ينحصر ضمن مصالحهم. البروليتاريا لم تعد تقتصر على طبقة العمال الصناعيين بل تشمل اليوم المدرسين والحرفيين الصناعيين هم جزء من البروليتاريا.

وفي الختام أكد المحاضر أهمية إعادة الاعتبار للحركة الثورية والصراع الطبقي كأداة من خلالها يمكن أن نحقق التقدم على مستوى العدالة الاجتماعية.

كندا 24/3/2021

العدد 1102 - 03/4/2024