انتخابات 23 آذار 2021: من سيكون الأكثر تطرفاً؟

د.ماهر الشريف:

خلال عقود من السنين، كان التنافس في الانتخابات الإسرائيلية يدور بين أحزاب (اليسار الصهيوني) وأحزاب (اليمين الصهيوني)؛ أما التنافس الحقيقي في الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري يوم الثلاثاء 23/3/2021 فسيكون هذه المرة بين أحزاب تنتسب إلى معسكر واحد هو المعسكر (اليميني الصهيوني)، وتتفاوت في تطرفها القومي و/أو الديني وعدائها للفلسطينيين وحقوقهم الوطنية من حزب إلى آخر، وتخضع لمعيار انتخابي واحد هو: (من مع نتنياهو ومن ضده). وبحسب استطلاعات الرأي، فإن الأحزاب المحسوبة على هذا المعسكر ستفوز بأكثر من 80 مقعداً، من أصل 120، في الكنيست القادم. ويتنافس من بين زعماء هذه الأحزاب على رئاسة الحكومة الائتلافية القادمة كل من:

أولاً-بنيامين نتنياهو الذي لم يتوانَ، كي يعزز حظوظه الانتخابية ويضمن عودته إلى رئاسة الحكومة، عن التوصل إلى اتفاقية تقاسم أصوات فائضة مع حزب (الصهيونية الدينية) العنصري بزعامة بتسلئيل سموتريش، الذي دعا قبل فترة إلى فصل النساء العربيات عن النساء اليهوديات في مستشفيات التوليد معتبراً أنه (من الطبيعي أن ترفض زوجتي أن تكون إلى جانب امرأة أخرى يقوم طفلها العربي بقتل طفلها بعد عشرين عاماً).  ولم يكتفِ نتنياهو بهذه الاتفاقية، بل شجع سموتريش على أن يضم إلى صفوف حزبه في الانتخابات حزب (عوتسما يهوديت) بزعامة أيتمار بن غفير، تلميذ الحاخام الراحل مئير كاهانا مؤسس حركة (كاخ) العنصرية، الذي يدعو منذ سنوات إلى تشجيع غير اليهود على مغادرة إسرائيل وطرد فلسطينيي الضفة الغربية ومواطني إسرائيل الفلسطينيين الذين يرفضون إعلان الولاء لدولة إسرائيل ولا يقبلون بأن يكون لهم مكانة أدنى من اليهود في دولة يهودية تشمل الضفة الغربية بكاملها. ومن المعروف أن بن غفير هذا كان من ضمن المشاركين في (عرس الدم والكراهية) الذي نُظّم في اواخر سنة 2015 ورقص فيه عشرات المستوطنين بالبنادق والسكاكين مع صورة عائلة الدوابشة التي أحرق مستوطنون منزلها، وهو يضع صورة القاتل باروخ  غولدشتاين، الذي قام في سنة 1994  بقتل 29 مصلياً فلسطينياً في المسجد الإبراهيمي في الخليل، على جدار إحدى غرف منزله كي يزرع في نفوس أولاده كراهية  العرب. وبما أن بن غفير يحتل الموقع الثالث في قائمة حزب (الصهيونية الدينية)، التي ترجح استطلاعات الرأي أن ينجح في تجاوز نسبة الحسم ويحصل على أربعة إلى خمسة مقاعد، فمن المحتمل كثيراً أن يكون أحد أعضاء الكنيست القادم.

ثانياً-جدعون ساعر زعيم حزب (أمل جديد)؛ كان وزيراً سابقاً في حكومات نتنياهو، وهو يمثل اليمين القومي التقليدي الذي يستلهم أفكار مناحم بيغن ويتسحاق شامير، ويتخذ مواقف أكثر تطرفاً من نتنياهو فيما يتعلق بالفلسطينيين وحقوقهم الوطنية، وهو يؤيد ضم مناطق (ج) في الضفة الغربية إلى إسرائيل، ويرفض إقامة دولة فلسطينية.

ثالثاً-نفتالي بينت زعيم حزب (يمينا)؛ هو (حبيب) مستوطني الضفة الغربية، وكان عارض خطة ترامب (للسلام) لأنها تضمنت فكرة إقامة (دولة المعازل) الفلسطينية، وهو يطالب بتطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق الضفة الغربية كافة وضمها لإسرائيل، ويدعو إلى إنهاء حكم حماس في قطاع غزة باستخدام قبضة حديدية لا تفرّق بين مقاتلين ومدنيين.

رابعاً-أفيغدور ليبرمان زعيم حزب (إسرائيل بيتنا)؛ اشتُهر بخطابه المعادي للعرب وبمشروعه الرامي إلى إعادة ترسيم حدود إسرائيل بما يضمن نقل التجمعات السكانية الفلسطينية في إسرائيل المجاورة للضفة الغربية، وخصوصاً منطقة (المثلث)، إلى مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية للحفاظ على الطابع اليهودي الصارخ لدولة إسرائيل.

خامساً-أما المنافس (الحمائمي) على رئاسة الحكومة الذي يصنّف نفسه في معسكر (يمين الوسط)، فهو يائير لبيد زعيم حزب (يوجد مستقبل) الذي أكد أنه إذا تم انتخابه رئيساً للوزراء فإنه لن يتفاوض حول وضع القدس، حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك سلام مع الفلسطينيين، وكان اعتبر قبل ذلك أن قضية اللاجئين الفلسطينيين حُسمت وخرجت عن نطاق أي مفاوضات، وهو من أنصار ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، وكان قد ساهم عندما كان وزيراً في حكومة نتنياهو ما بين 2013 و 2015 في دعم زيادة ميزانيات الاستيطان وتشجيعه.

وعليه، من الواضح أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة ستزكي حقيقة راحت تتجلى منذ مطلع الألفية الثالثة، ومفادها أن الفلسطينيين، في ظل بروز (صهيونية جديدة) في إسرائيل تريد فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، واستمرار تحوّل المجتمع الإسرائيلي نحو مواقع اليمين القومي والديني، لا يملكون اليوم، ولن يملكوا في مستقبل قريب، شريكاً يصنعون معه سلام (العدل الممكن)،  وأن عليهم تالياً السعي من أجل توفير مقومات بقائهم وصمودهم فوق أرضهم، والعودة إلى نهج اقتصاد الصمود، وترتيب بيتهم الداخلي بما يسمح لهم بتعديل ميزان القوى في هذا الصراع الذي يتبيّن يوماً بعد يوم أنه صراع طويل الأمد يخوضه شعب تواق إلى الحرية والاستقلال والعودة ضد مشروع كولونيالي استيطاني.

العدد 1102 - 03/4/2024