الصين.. نجاحات اقتصادية ومكاسب اجتماعية

د. صياح عزّام:

جميع الحروب والمواجهات العسكرية والسياسية التي خاضتها الولايات المتحدة، وكذلك نزاعاتها التجارية مع بلدان العالم، ترافقت مع حرب إعلامية شرسة شنتها ضد الخصوم والأعداء، وحتى ضد الحلفاء عندما تختلف معهم.

بطبيعة الحال، فالحرب التي تشنها ضد الصين اقتصادياً وسياسيًاً، ليست استثناء، فتحت ما يسمى شعار (المنافسة الاستراتيجية)، لا يتوقف الإعلام الأمريكي ولا المسؤولون في واشنطن عن إطلاق قذائفهم الإعلامية الدعائية الثقيلة لترويع الصين التي يصفونها بالخصم (العنيد)، وذلك لإرباكها وتشويه سمعتها عالمياً. فقبل أيام نشرت مجلة (كريستيان مانس مونتيرور) نتائج استطلاع أجراه مركز (دبيو) في 14 دولة، زعمت فيه أن الثقة الدولية بالصين تراجعت خلال السنوات العشر الأخيرة. طبعاً هذا ليس صحيحاً، لأنه يدخل ضمن سياق الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين كما أشرنا قبل قليل. ولكن المجلة أشارت في الوقت نفسه إلى الارتفاع الكبير والمستمر في شعبية قادتها داخلياً، وهو أحد أهم أسباب قوة الصين في مواجهة الضغوط المتصاعدة، مع العلم أن من يرصد هذا الارتفاع خبراء أمريكيون، وليست دعايات يروجها الحزب الشيوعي الصيني.

أحد هؤلاء الخبراء هو الدكتور إدوارد كونينجهام (أستاذ الدراسات الصينية في جامعة هارفرد الأمريكية العريقة)، فقد أكد أن مستوى الرضا الشعبي عن القيادة الصينية ظل ينمو طوال العشرين سنة الماضية، وتشير دراسة أمريكية أجريت بين عامي 2013 و2016 شملت مقابلات مع أكثر من 31 ألف شخص في المناطق الريفية والحضرية في الصين إلى أن 93٪ من المواطنين الصينيين يشعرون بالرضا عن أداء الحكومة المركزية، بينهم 32٪ قالوا إنهم (راضون جداً).

وعلى المستوى المحلي قال 70٪ عام 2016 إنهم راضون عن أداء حكوماتهم في الأقاليم التي يقطنونها، بينما كانت مثيلتها (أي النسبة) 44٪ عام 2003.

أما الدكتورة إليزايث إيكونري (الأستاذة في معهد هوفر بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا)، فتقول: إن النجاحات الاقتصادية التي حققتها حكومة الصين والمكاسب الاجتماعية التي وفرتها للشعب، هي وراء ارتفاع سمعة القيادة الصينية، والأكثر من ذلك أن الأغلبية العظمى من سكان الصين باتوا يشعرون بـ(الفخر والزهو القومي)، نتيجة تعاظم الدور العالمي لبلادهم وصمودها أمام (العدو الإمبريالي الأمريكي).

إن الأرقام والوقائع تفسر بوضوح سر هذا الرضا، فقد حقق الاقتصاد الصيني نمواً بنسبة 2٫3٪ في العام الماضي 2020، وأصبح الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي سجل نمواً رغم جائحة كورونا.

إضافة إلى ذلك، للقيادة الصينية إنجازان كبيران يشكلان فعلاً مصدر فخرها وسر نجاحها وسبب ارتفاع شعبيتها.

الأول: هو التقدم المذهل الذي حققته على صعيد محاربة الفقر، وفي كانون الأول الماضي، أعلنت الحكومة بشكل رسمي أنها (استأصلت) الفقر المدقع أو الحاد بعد معركة طويلة بدأ عام 1981 وأسفرت عن انتشال 850 مليون صيني من العوز.

والإنجاز الثاني تمثل في معركة لا تقل ضراوة وهي محاربة الفساد التي بدأت في عام 2012 ومازالت مستمرة حتى الآن.

محصلة ذلك كله، تحققت طفرة كبيرة في شعبية الحزب الشيوعي الصيني، وطفرة موازية في مستويات المعيشة واتساع حجم الطبقة المتوسطة الذي قفز من 3٪ عام 2000 إلى أكثر من نصف تعداد السكان، أي 700 مليون في عام 2018.

إذاً، الصين حققت وماتزال تحقق نجاحات باهرة، وهي ماضية في هذا الطريق غير آبهة بالعقبات التي وضعتها أمامها الولايات المتحدة الأمريكية من حروب تجارية وحملات إعلامية شرسة ومحاولات استعداء العالم عليها.

العدد 1104 - 24/4/2024