مع مجيء بايدن.. السلطان (العثماني) يحصن نفسه داخلياً!

د. صياح عزام:

منذ أن فاز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية لم يعرف أردوغان طعم الراحة والهدوء، وهو يضرب أخماساً بأسداس، فقد تأكد ما كان يقال أثناء الحملة الانتخابية لبايدن عن استيائه من أردوغان، لأنه كان بين الرؤساء الذين هنؤوه في اللحظات الأخيرة، ولم يشفع لأردوغان ما ردده بأنه انتظر صدور النتائج رسمياً، خاصة أنه كان من الواضح أن أردوغان كان منزعجاً من فوز بايدن ومرتبكاً في طريقة التعامل معه، فكانت تصريحاته وتصريحات مستشاريه والناطق باسمه إبراهيم قالين، تعكس تساؤلات وتقرّباً، أكثر مما تعكس آلية للتعامل مع الرئيس الديمقراطي الذي توعد بخلع أردوغان في أول انتخابات رئاسية تركية.

ويدرك أردوغان أنه إذا كان قوياً في الداخل، يمكن له أن يواجه بايدن والدول الأوربية التي تكرهه، ولهذا يعمل بعد فوز بايدن على تعزيز درع الحماية لنفسه في الانتخابات الرئاسية التركية القادمة سواء جرت في موعدها عام 2023، أو فاجأ المعارضة بانتخابات مبكرة وسط ظروف يراها مؤاتية له.

وفي هذا السياق، يعتبر أن الصراع على كل صوت انتخابي في ظل النظام الرئاسي، له أهمية مطلقة، لأن الفارق في الانتخابات الأخيرة قبل سنتين كان بحدود 2٪ فقط، ولأن مرشحَيه في انتخابات بلديتي اسطنبول وأنقرة عام 2019 قد هُزما.

ومما زاد في صعوبات أردوغان انشقاقُ زعماء بارزين في حزب العدالة والتنمية، مثل أحمد داود أوغلو الذي أسس حزب المستقبل، وعلي باباجيان الذي أسس حزب الديمقراطية والتقدم، وأيضاً انفجار الصراع بين أردوغان وأحد رموز الحرب الباردة بولنت أرينتش، بحيث لم يبقَ حول أردوغان إلا أسماء هامشية غير فاعلة ولا تتمتع بشعبية، كل هذا جعل حزب العدالة والتنمية مرتبطاً بشخص أردوغان، فإذا اختفى عن الساحة السياسية، فسينقسم حزبه ويضمحل، كما حصل مع الحزب الديمقراطي في الخمسينيات، وحزبي الوطن الأم والطريق المستقيم لاحقاً، اللذين انقرضا بعد غياب طورغوت أوزال وسليمان ديميريل.

في إطار هذه المعمعة من الانشقاقات، ولتعزيز وضعه الداخلي يسعى أردوغان لتجميع نقاط لصالحه من هنا وهناك، فقد مدّ يده أولاً إلى حزب السعادة الذي له بين 1 و2٪ من الأصوات، فاجتمع مع رئيسه أوغوزخان أصيل تورك، الذي أدلى بتصريحات إيجابية للتحالف مع حزب العدالة والتنمية وشريكه حزب الحركة القومية، لكن قيادات داخل حزب السعادة عارضت ذلك واستهجنته، الأمر الذي سيؤدي إلى انشقاق في هذا الحزب، فيربح أردوغان نسبة من أصواته. وبين الحين والآخر، يوجه أردوغان نداءت إلى (الحزب الجيد) بزعامة مرال آقشينير الذي له بحدود 10٪ من الأصوات، لكن أقشينير رغم أن حزبها قومي الهوية والاتجاه، أغلقت الأبواب نهائياً أمام أي تعاون مع أردوغان، وبقيت متحالفة مع حزب الشعب الجمهوري العلماني منذ عام 2017.

وفي سياق مساعي أردوغان لإضعاف الجبهة المعارضة له، ركز على أن يحاصر ويضرب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي له عشرة بالمئة من الأصوات، فسجن قادته، وأقال رؤساء بلدياته المنتخبين ديمقراطياً وقانونياً، حتى أنه يعمل على قدم وساق لحظره قانونياً أمام المحكمة الدستورية من خلال السعي لتشكيل ملف مزيف يتهم الحزب بأنه يدعم الإرهاب (أي يدعم حزب العمال الكردستاني).

والجدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان مع تغيير النظام في تركيا إلى نظام رئاسي، بات عاجزاً عن الاتكال على ذاته فقط، فدخل في شراكة قومية يمينية مع (حزب الحركة القومية) المتشدد بزعامة (دولت باهتشلي)، إذ لولا باهتشلي هذا لما استطاع أردوغان أن يفوز في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2018، ومعه شكل كتلة ضمت الغالبية المطلقة في البرلمان التركي بعدما فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على هذه الأغلبية منفرداً.

إذاً يتضح من خلال ما تقدم أن أردوغان يتحصن داخلياً لعله يستطيع مواجهة ضغوط الرئيس الأمريكي بايدن والاتحاد الأوربي، فيبقى على رأس السلطة ولا يقدم أية تنازلات تحد من استمرار مشاريعه التوسعية الخارجية.

العدد 1104 - 24/4/2024