ما بين رسم الدخول ومؤتمر عودة اللاجئين.. السوريون عالقون!

إيمان أحمد ونوس:

أصدرت رئاسة مجلس الوزراء في تموز من العام الماضي قراراً يُلزِم جميع السوريين العائدين إلى سوريا بدفع وتصريف مبلغ 100 دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية التي يقبل بها مصرف سورية المركزي حصراً إلى الليرات السورية. وأشارت صحيفة الوطن السورية أن القرار المذكور جاء بناء على مقترح لوزارة المالية، مُتضمّناً إعفاء المواطنين الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، وكذلك سائقي الشاحنات والسيارات العامة، كما ألزمت الحكومة أن يكون الصرف وفقاً لنشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، اعتباراً من بداية الشهر الذي تلا صدور القرار. يُشار إلى أن سعر الصرف الذي حددته الحكومة حينذاك يُقدّر بـ 1265 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد.

لا شكّ أن أيّة ضريبة أو رسوم يُراد فرضها على المواطنين تحتاج إلى قانون ينظمها وليس اقتراحات وإلزام غير مشروع، وعليه فإن هذا القرار يخالف الفقرة 1 من المادة 18 من الدستور التي تنص على أنه (لا تفرض الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلاّ بقانون). كما يتنافى مع الدستور ويتناقض مع المادة 38 منه التي تنص على أنه (لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه. ولكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلّا إذا مُنع من ذلك بقرار من القضاء). فاشتراط امتلاك الراغب بالعودة إلى سورية مبلغ 100 دولار يحدُّ من حقه بالدخول إلى بلاده. كما لا بدّ من التذكير بأن هذا القرار مخالف أيضاً للمرسوم رقم 3 لعام 2020 الذي ينص على منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، مُحدِّداً عقوبة المخالفين بسبع سنوات أشغال شاقة وغرامات أخرى.

من المعلوم في الأعراف والقوانين الدولية، أن كل دول العالم تفرض على الأجانب القادمين إليها رسوم (فيزا) للدخول إلى أراضيها أيّاً كانت الأسباب. أمّا أن تفرض الدولة على مواطنيها تلك الرسوم غير المشروعة، فهذه سابقة خطيرة لم تحدث قبلاً، وتتناقض مع (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) الذي يضمن الحق لكل شخص بالعودة إلى وطنه. وهذا ما أثار استهجان الشارع السوري، مثلما أثارت استياء السوريين في الخارج، لاسيما غير القادرين على تأمين هذا المبلغ إذا ما أرادوا العودة إلى بلادهم، وأولهم الموجودون في دول الجوار كلبنان والأردن، إضافة إلى أولئك الذين يغادرون ويعودون لأجل العلاج مثلاً أو لأمور أخرى تتطلب غيابهم أياماً معدودات لا تقتضي حصولهم على مبالغ مالية لم تكن بحوزتهم عند المغادرة، فمن أين لهم بقيمة هذا الرسم الإلزامي غير المستحق، لأنه يرغم المواطنين على التصرّف بأموالهم وممتلكاتهم بشكل قسري، وهذا بلا أدنى شكّ اعتداء على حق الملكية الذي حفظه الدستور، وفي الوقت ذاته لا يُمكن أن يُرى إلاّ من منظار وضع العراقيل والصعوبات أمام عودة الذين غادروا البلاد سواء في الحرب أو قبلها وبعدها، كما ويتناقض مع الأهداف المُعلنة للمؤتمر الدولي الذي عُقِدَ في دمشق يومي 11- 12 تشرين الثاني الماضي، الهادف إلى عودة أكثر من 6.5 ملايين لاجئ سوري يقيم معظمهم في دول الجوار إلى بلادهم طواعية بعد ضمانات أمنية ومعيشية لائقة. فكيف سيعودون وهم لا يملكون ثمن تذكرة العودة وكل هذه العراقيل والعقبات تسبق وصولهم إلى الحدود السورية؟ وأين سيعيشون إن كانت منازل بعضهم قد طالها التدمير ولا يملكون قيمة فواتير إعادة بنائها مجدّداً، خاصة في ظلّ ارتفاع الأسعار وبدل الإيجارات السكنية المنفلتة من كل عقال ومحاسبة، فضلاً عن الأوضاع المعيشية والخدمية المتردية يوماً بعد آخر دون أن يحرّك هذا الواقع اهتمام المسؤولين الذين لا همّ لهم سوى تبرير ما يتخذونه من قرارات لا تصبُّ إلاّ في صالح مناصبهم التي لا يريدون التّخلي عنها، بينما هي في واقع الحال مجرد قرارات تُفاقِم الأزمات وترفع منسوب الفقر في سورية إلى مستويات غير مسبوقة عالمياً.. فها هو ذا وزير المالية مأمون حمدان، في لقاء له على الفضائية السورية، عقب صدور قرار تصريف المئة دولار يوضح بشكل يدعو للاستياء أن (القرار جاء خدمة للمواطن، وليزيد من واردات مصرف سوريا المركزي ويدعم الليرة السورية، كما يسعى للحدِّ من نشاط السوق السوداء خارج الحدود). مضيفاً (إنه لا يُعدُّ مشكلة كبيرة، ومن الطبيعي أن يمتلك العائد هذا المبلغ) الذي يراه الوزير أقلّ من أجرة سيارة أو تذكرة طيران، مؤكّداً إلزامية تطبيقه على كل سوري ومن في حكمه لدى دخوله إلى سورية، حتى لو كان خروجه ليوم واحد فقط. كما أشار إلى أن التعامل بالعملة الأجنبية ممنوع في سورية، ولذلك يعتبر القرار خدمة وحلّاً للمواطن ليبدّل العملة الأجنبية التي بحوزته وفق الطرق القانونية!

لا يمكننا أن نرى في تصريحات الوزير هذه سوى تجاهل وتغافل عن الواقع المأساوي الذي يُعانيه السوريون في دول الجوار من فقر وبطالة تجعلهم لا يمتلكون حتى قوت يومهم، فمن أين سيدّخرون المال اللازم لدعم الليرة ورفد خزينة الدولة من القطع الأجنبي؟ بل وحين فكّر بعضهم بالعودة للوطن، علقوا على الحدود مدّة من الزمن لعدم امتلاكهم الدولارات اللازمة لدخولهم إليه، ممّا أثار موجة استياء شعبية عارمة دفعت برئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس أثناء جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومته أمام مجلس الشعب للقول إن القرار لا يتضمّن عدم عودة المواطن، وأن مخالفة الإجراء ليست جريمة، ولن يُحاسب من لم يقم بتصريف المبلغ. كما أكّد أنه تمّ إدخال 24 مواطناً إلى سورية لم يدفعوا أي مبلغ، وأشار إلى أن حكومته ستنظر في القرار (عندما تسمح الظروف)، متجاهلاً بهذا مطالبة بعض نواب مجلس الشعب بإلغاء القرار وليس أن تُعلن الحكومة أنها ستتسامح مع من لا يملك ذلك المبلغ.

وبعد كل ما ذُكِر، لا نرى في تلك القرارات والتصريحات والإجراءات الحكومية سوى وسيلة نبذ وتطفيش للسوريين الراغبين حقيقة بالعودة لبلادهم، وهذا بعيد كل البعد عن مقررات مؤتمر عودة اللاجئين وشعاراته الإعلامية الرنّانة، بل ومتناقض معها، فإلى متى سيبقى السوريون عالقين ما بين قرارات ظالمة اعتباطية ومتناقضة ومؤتمرات حالمة لا أكثر!؟؟

العدد 1104 - 24/4/2024