أردوغان المراوغ يستعد لمرحلة بايدن
د. صياح عزام:
بدأ أردوغان بإعادة ترتيب أوراقه من جديد، ليواجه فقدان حليفه الشخصي ترامب، الذي تغاضى عن كل نزواته وجرائمه ومغامراته العسكرية الخارجية من توغل في الأراضي السورية والعراقية واحتلالها تحت ذرائع كاذبة، إلى تدخله في ليبا عسكرياً، إلى مشاركته في حرب أذربيجان ضد أرمينيا (إن لم نقل إنه هو الذي فجّرها ودعمها)، واستفاد من المرتزقة في الشمال السوري لزجّهم في المعركة، ومن دعم إسرائيل بالسلاح لأذربيجان ضد أرمينيا، وفي هذا المعمعان أقام أردوغان قناة سرية مع إسرائيل يقول فيها عكس ما يصرح به من كلام ناري للاستهلاك الإعلامي، وكأنه يستعد لمرحلة الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن، وأوحى بأن له علاقات أمنية مع مصر ومع دول خليجية وكأنه يقفز إلى الأمام.
أردوغان الذي اشتهر بالتقلّب والمراوغة وعدم الثبات على موقف لخدمة مصالحة الشخصية في البقاء في الحكم، قد يحاول استغلال عودة مرتزقته من أذربيجان إلى شمال سورية للدفع نحو فرض وقائع جديدة على الأرض وتثبيت وجوده العسكري كورقة مساومة مع واشنطن، لأنه يعلم أن إدارة بايدن تختلف في مسالة تعاطيها معه ومع الملف السوري عن إدارة ترامب، وأنها لن تتجاهل الدور التركي في ليبيا حيث مازال أردوغان يعرقل محاولات التوصل إلى تفاهمات بين الأطراف الليبية، إذ أوقف سحب مرتزقته من ليبا كورقة أخرى في الملف الليبي يستخدمها لصالحه.
وقد انتقد المبعوث الأمريكي إلى سورية جويل رايبرن إرسال المرتزقة السوريين التابعين لأردوغان إلى مناطق خارج سورية، ووصفه بأنه مزعزع للاستقرار في المنطقة.
طبعاً المبعوث الامريكي هذا مازال ملتزماً بسياسة ترامب الناعمة مع تركيا، إلا أن سياسة بايدن ستختلف من حيث الأسلوب، لهذا يعمل النظام التركي جاهداً لتحسين وضعه المستقبلي، من خلال محاولاته إبراز قدراته الواسعة في الشرق الأوسط وفي القوقاز، في مواجهة الرئيس بايدن الذي لن يتهاون مع السياسة التركية التوسعية والتدخلات التركية في شرق المتوسط، ويبدو أنه يريد أن يلعب الآن بالورقة الروسية، لأن العلاقات الروسية- الأمريكية لن تكون مريحة في عهد بايدن كما كانت في عهد ترامب، حسب تصور أردوغان وتحليلاته، فقد كان ترامب بمثابة المحامي لأردوغان أمام مطالب الكونغرس بفرض عقوبات على تركيا، بسبب شرائها أنظمة صاروخية روسية.
وقد تعرض بايدن لحملة إعلامية تركية تؤشر إلى أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة ستكون متوترة، خاصة أن الرئيس بايدن عبّر عن تأييده لـ(قبرص) في مواجهة تركيا، وقد كان بايدن على اطلاع مسبق على طبيعة الوضع التركي في شرق المتوسط وسورية وليبيا منذ أن كان نائباً للرئيس أوباما وزار كلاً من أنقرة ونيقوسيا وأثينا، وأطلق على نفسه اسم جو بايدنوبولس خلال لقائه مع أمريكيين يونانيين. وسبق أن وصف أردوغان بأنه مستبد.
فالرئيس بايدن يرى أن تركيا أصبحت عنصر عدم استقرار في الشرق الأوسط، وأنها تناكف الاتحاد الأوربي، وحلف الناتو وتهدد اليونان وقبرص، وتخترق الحدود البحرية لقبرص واليونان للتنقيب عن الغاز، إلا أنه لن ينغمس فوراً في هذه القضايا بسبب مشاكله الداخلية وعلى رأسها مواجهته جائحة كورونا والوضع الداخلي الأمريكي المنقسم بحدة، والاقتصاد الأمريكي المتراجع، إلا أنه سيدعم الاتحاد الأوربي في مواقفه تجاه تركيا، فقد أعلن رئيس المجلس الأوربي شارل ميشيل مؤخراً في الرابع من كانون ألأول، أن دول الاتحاد الأوربي مستعدة لفرض عقوبات على تركيا، بسبب استمرار أفعالها الأحادية وخطابها العدواني، مشيراً إلى أن أنقرة لم تخفض التصعيد في أزمتها مع اليونان استجابة للتواصل الدبلوماسي.
ومن المنتظر أن تنعقد القمة الأوربية في العاشر من هذا الشهر لتتخذ مثل هذه القرارات، ويقول العديد من الباحثين إن أردوغان المناور قد يحاول تكييف سياساته وفقاً للظروف الأمريكية الجديدة، ولن يقدم على خطوات دراماتيكية، مثل ضم قبرص التركية كما هدد لأنه يعرف تماماً أنه لا توجد خلافات بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري في الكونغرس إزاء قبرص واليونان، وبالتالي فإن أمريكا سواء كان رئيسها ديمقراطياً وجمهورياً ستطالبه بالكف عن سياسته وممارساته في شرق المتوسط ولاسيما في قبرص واليونان، ولا يمكنها أن تؤيده ضد الاتحاد الأوربي.