الخيارات الصائبة

الدكتور سنان علي ديب:

الأفكار بحر كبير متعددة الألوان، ومتنوع الأغراض، بحاجة إلى السباح الماهر أو الغطاس العميق للصيد الثمين، من يعرف جزءاً كبيراً ومتنوعاً كثر، لكن دائماً العلاج الصحيح باختيار المطلوب في التوقيت المناسب، هكذا نجد فرقاً بين التنظير والفعل الجاد الحقيقي الفاعل المؤثر، من بحر الأفكار الاقتصادية المتنوعة والمختلفة التي تشكل حديقة متنوعة الورود، لكن لكل وردة معجب وحاجة ووقت، وعدم الاهتمام والعناية الصحيحة تذبل الورود ويعم الشوك والعشب الأصفر المنفر.
هكذا لكل حالة أفكار معينة تستثمر للتحول إلى فعل يناسب واقعاً معيّناً، كعلاج لحالات مرضية أو لتهيئة مخطط استراتيجي يجب العمل له.
وضمن هذا السياق كان العمل وفق السياسات الإمبريالية الناعمة لاجتياح العالم وتكريس الفوضى، عبر السعي لفرض برامج مقولبة لا تحترم الواقع ولا تناسب خصوصية البلدان، وتزعزع الاستقرار، تحت مسمّيات عدّة، مثل إعادة الهيكلة والتصحيح البنيوي، والليبرالية الجديدة وو…الخ
ضمن وصفات غازية للدول التي تسمى العالم الثالث، التي نمت على هوامش الصراع المحاط بها بين منظومتي الأفكار الشيوعية والرأسمالية، وبعد نهاية الصراع وإعلان انتصار المعسكر الذي سمّي رأسمالياً، وهو أقرب ما كان للإمبريالي العابر للإنسانية ولحقوق الدول.
وضمن منظور الانتصار ونهاية الصراع وتكريس أحادية القيادة، كان يجب تعميم الفوضى، وتهشيم المجتمعات، وخلق التناقضات، واستلاب الحقوق، واستنزاف القدرات، وقتل العدالة، وحرف الصراع الطبقي، وسحق الطبقة الوسطى، وتقليص أذرع الحكومات لتكون الغلبة لأدوات اقتصادية تابعة ومبرمجة، تقتل الطاقات الإنتاجية، فتصبح الدول سوقاً لمنتجاتهم وتصحر الطاقات المحلية للبلدان ، حتى يكتمل المشروع لا كوابح للقرارات، فتفريغ المنظمات وتهميش الأحزاب ضرورة عالمية وفق منظومة التخريب المنظم التي من المستحيل مواجهتها من دون أحلاف عالمية تواجه بركانهم اللاإنساني اللاشرعي واللاعادل وسط نسياب مريح ووسط لامبالاة واضحة.
وضمن هذا السياق تصعب القرارات لمواجهة التيار متعدد الأبعاد، إذ يلزم لمواجهته حزم متعددة الخصائص تعاكس برامجهم وغاياتهم وتعرقل مساعيهم وسط تساؤل ضبابي، هل يمكن للبلاد فرادى التصدي لخياراتٍ كهذه؟!
هل تستجلب ممانعتهم كوارث ومصائب تتجاوز قدرة البلدان؟!
هل وصول مشاريعهم إلى مراحل معينة يقلل الخيارات ويقلص طرق النجاة؟!
في طبيعة البشر وتكوينهم يجب دائماً أن يكون اللامستحيل هو العنوان، والحاجات تتطلب الجهود غير المحدودة، التي تتكرس ببرامج تتضمن قرارات لمعالجة المشاكل عبر وصفات صحيحة في التوقيت المناسب، والمتابعة المستمرة للإحاطة بأيّ انحرافات وصولاً إلى البيئة القادرة على التغيير الصحيح للاستثمار الصحيح للموارد والكفاءات بما يناسب المجتمع وحاجاته، فالخيار الصائب هو الذي يكون في الوقت المناسب والصحيح متضمناً الإحاطة بالمشكلة، وتمرير العلاجات المناسبة بما يحقق الغاية المرجوة، بالتالي هناك معايير لتوصيف الخيار ما بين الصوابية والخطأ، ومقاييس من خلالها تكون معرفة الاستمرار به أو تغييره بما يحقق الأهداف المرجوة، التي تنبع من الحاجات المجتمعية المتنوعة، وتحقيق العدالة وتأمين ما يستطاع من المتطلبات ضمن ما يتوفر من قدرات وموارد وإمكانات.
وتختلف الخيارات بحسب حالة المجتمع المدروس، استقرار، تأزم، حرب، نمو متواتر، انكماش، بناء مستمر، تدمير، تماسك مجتمعي، وتهشيم، وصراع طبقي، فائض قدرات، وفقر، وحاجة وعوز، إصلاح حقيقي أو تغيير منشود…الخ
الأفكار الاقتصادية بحر والمنظرون كثر، ويبقى الخبير من ينتقي الأدوات المناسبة للواقع في التوقيت المناسب وبما يزيد المنفعة ويؤمن الحاجات ويعالج الإشكالات والعثرات.

العدد 1104 - 24/4/2024