التنافس على المرتبة الاولى

د. أحمد ديركي:

منذ الصغر اعتدنا التنافسية في كل شيء نقوم به، ويبدو أن (التنافسية) لم تعد حالة فردية يصاب بها الأولاد، بل أصبحت من الظواهر المجتمعية المألوفة. ولا تنحصر (التنافسية) بطلاب المدارس، بل تتخطاها إلى معظم شؤون الحياة وصولاً إلى أدنى التفاصيل، ومنها الزواج وما يتبع وما يشتق منه من قضايا تنافسية، والعمل ومآسي التنافسية و… الخ،

ولكن وفقاً لما اعتدنا عليه، إلى أن أصبح يطول كل شؤون الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أن التنافسية تكون، ولو بشكل بسيط، من أجل الأفضل! مثلاً الحصول على المرتبة الأولى في الصف الدراسي، الحصول على أسعد حياة زوجية، الحصول على أفضل منتج، الحصول على وظيفة براتب شهري جيد وضمانات جيدة…

ولم يخبرنا أحد أن هناك (تنافسية) على ما هو أسوأ! نعم هناك كما يبدو تنافسية للحصول على الأسوأ!

وقد تكون هذه (التنافسية) ظاهرة في معظم مؤشرات الدول العربية إلى حد أصبحت فيه (المؤشرات) السلبية أحد أبرز سمات معظم الدول العربية. ومن هذه المؤشرات يحتل العالم العربي أعلى نسبة أمية، أعلى نسبة تمركز للثروات، أعلى نسب فقر، أعلى نسب بطالة وبخاصة بين الشباب، أعلى نسب مستويات الفساد، أعلى نسب لغياب الشفافية، أعلى نسب في قمع الحريات…

وأخيراً وليس آخراً وفقاً لتقرير اقتصادي صدر حديثاً حول نسب التضخم في العالم، يحتل لبنان المرتبة الثانية عالمياً، والسودان المرتبة الثالثة وسورية المرتبة الرابعة، ويبدو أن التنافس شديد ما بين هذه الدول فيمن سوف يحتل المرتبة الأولى!

التضخم، وبشكل مبسط، يعني انخفاض القيمة الشرائية للعملة، وبعبارة أخرى ارتفاع أسعار السلع. ومن هنا تحاول كل الأنظمة الاقتصادية في العالم العمل على خفض مستويات التضخم، لما له من انعكسات سلبية على الدولة وبخاصة فيما يتعلق بالوجه الاقتصادي والأمن الاجتماعي. فالتضخم لا ينحصر فقط في مسألة انخفاض القيمة الشرائية للعملة، بل من ضمن تأثيراته أنه يعمل كطارد للاستثمارات، وزيادة البطالة، وانخفاض مستويات الإنتاج، ورفع مستويات الفقر… وعديد من الأمور السلبية الأخرى.

وقد تكون مؤشرات الفقر في هذه البلدان الثلاثة، لبنان والسودان وسورية من أبرز المؤشرات المرتبطة بمؤشر التضخم، فنسب الفقر في لبنان تتجاوز 50%، وفي سورية تتجاوز 90% ما يضع سورية ولبنان في المراتب الاولى عالمياً بنسب الفقر، ويبدو أن (التنافسية) في ما بين لبنان وسورية على من يحتل المرتبة الأولى محتدمة، فسورية في المرتبة الأولى بالفقر ولبنان في المرتبة الثانية، بينما لبنان في المرتبة الثانية بنسب التضخم وسورية في المرتبة الرابعة.

أما بالنسبة للسودان و(تنافسيته) مع بقية بلدان العالم العربي، فيبدو أنه يستعد للمنافسة بشكل شرس وبخاصة بعد وعود (التطبيع) مع الكيان الصهيوني، لأنه من الواضح أن هذه الوعود مشابهة لوعود (بلفور).

المستغرب أن كل هذه (التنافسية) العربية على المراتب الأولى عالمياً تحدث ولا نسمع كلمة واحدة أو اجراء فعلي واحد من قبل الأنظمة للحد منها! فمن المسؤول عن وضع العالم العربي في هذه (التنافسية) على المراكز الأولى؟ الإجابة بسيطة: إنها الأرواح الشريرة التي لا تُطرد إلا بتعويذة!   

العدد 1104 - 24/4/2024