أردوغان وحكاية الفك المفترس

د. صياح عزام:

نجح المخرج ستيفن سبيلبيرغ، عام 1975، في تقديم واحد من الأفلام المميزة والمثيرة بعنوان (الفك المفترس) الذي أثار الرعب في إحدى الجزر، وهو يحكي قصة قرش أبيض كبير يفتك برواد البحر ويحيل الشاطئ إلى بحيرة من الدم وبقايا الأشلاء.

من شاهد الفيلم، أو قرأ عنه أو حتى سمع به، يتذكر أنه في هذه الأوقات أمام فيلم حقيقي مشابه وليس خيالياً، يتم عرضه بصورة حية أمام العالم، إلا أنه (أي الفيلم) من إخراج رئيس النظام التركي السلطان الجديد أردوغان. – إن عرض فيلم (الفك المفترس) لا يستغرق وقتاً أكثر من ساعتين، ولكن فك أردوغان المفترس يشبه المسلسلات التركية التي تطول حلقاتها لسنوات عديدة، وتنتقل مواقع التصوير لها من قارة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى، والبطل فيها واحد وهو أردوغان المفترس نفسه مع تعدد الأدوات والكومبارس، لكن النتيجة واحدة وهي دماء ورعب ودمار يقطع الأنفاس. إن من يتابع جرائم أردوغان في سورية وليبيا وشمال لبنان وجنوب القوقاز، بإشعاله نار الحرب بين أذربيجان وأرمينيا مؤخراً ودعمه للأولى، وفي تغذيته للإرهاب في سيناء بمصر، كل هذه الجرائم هي فك مفترس حقيقي ومتطور ودموي ومتنقل لا يشبع من إراقة الدم والقتل والدمار، ولايزال هذا الفك عصيّاً على الكبح.

وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الألماني ستيفان مايستر: إن أردوغان يحاول جاهداً الإيحاء بأن تركيا قوة إقليمية كبيرة، من خلال حروبه في سورية وليبيا وأذربيجان وغيرها من التدخلات في شؤون دول المنطقة.

وكتب الصحفي صوفي شنايدر في جريدة (شبيغل أون لاين) قائلاً: إن أردوغان يعتمد في حربه التوسعية الجديدة في القوقاز، كما اعتمد في حروبه في سورية وليبيا ومصر، على ميليشيات إرهابية مسلحة قاتل ويقاتل بها حتى الآن، وهي عبارة عن مجموعات من المرتزقة والمجرمين وخريجي السجون والمنبوذين من قبل أوطانهم وشعوبهم.. هذا عدا تأزيمه للأوضاع في شرق المتوسط، وتخريب علاقات بلاده مع دول الجوار، وحتى على المستوى الدولي مع عدة دول كبيرة وصغيرة. ولكن هناك سؤال مهم يتبادر إلى ذهن كل من يتابع حروب أردوغان ومغامراته وتدخلاته هنا وهناك، وهو التالي: لماذا يستمر أردوغان في خوض هذه الحروب والمعارك المصطنعة على جبهات متعددة وفكّه المفترس لا يشبع من الدم والدمار؟ الإجابة عن هذا السؤال واضحة، تتجسد باختصار في أن المجتمع الدولي (أو بالأحرى ما يسمى بالمجتمع الدولي) لم يقم بواجبه بردع أردوغان عن حروبه من خلال إجراءات فعالة، سياسية واقتصادية وعسكرية، بل يكتفي ببيانات التنديد التي يراها أردوغان أنها شكلية أولاً، وتعبير عن العجز ثانياً، كما هو حال الدول الأوربية التي تتلكأ في اتخاذ إجراءات فعّالة ضد استفزازاته لها وعدوانه على دولة عضو في الاتحاد الأوربي.

مما يجدر ذكره أن الولايات المتحدة الأمريكية متواطئة معه في الخفاء، وإن كانت تصدر عن بعض مسؤوليها تصريحات ملتبسة حول سياسته وسلوكه.

في المحصلة يمكن القول إن أوضاع أردوغان تتراجع أكبر ما كان يتوقعه، بعد أن تورط في عدة مسائل أهمها انتهاكه للقانون الدولي، إهدار تقاليد الجوار، قيامه بفتح جبهات حروب متعددة في وقت واحد، ثم إنه اشتط في العدوان على عدة دول، وافتعل خلافات مع دول أخرى، كذلك يفرض على إعلامه الرسمي، مع احتضانه لمطاردي البلاد التي يعاديها، أن يشاركوا في حملات التضليل والأكاذيب، وتلميع صورته المهتزّة داخل تركيا وخارجها.

على أي حال، كل هذه السياسات ستعود عليه وعلى بلاده بالضرر الكبير، وسيلقى هو شخصياً المصير الذي لاقاه أمثاله من الديكتاتوريين وقاتلي الأبرياء.

العدد 1102 - 03/4/2024