هوسٌ أمريكي بـ(التطبيع)!
د. صياح عزام:
بين يوم وآخر يخرج علينا الرئيس ترامب، أو أحد أركان إدارته الأساسيين، بنبأ أو ببلاغ يتضمن أعداداً وأسماء لدول مُقبِلة على (التطبيع) مع العدو الصهيوني: أربع.. خمس.. ثماني دول شرق أوسطية، ومن خارج الشرق الأوسط، حتى بات العالم وكأنه أمام (بازار) ممجوج، وعروض تشبه بيانات وزارات الصحة في دول العالم حول أعداد المصابين بكورونا.
هوسٌ مخجل لا يليق بالدولة التي يصفها ترامب بـ(الأعظم)! ولا بدور وزير خارجيتها الذي طغى دوره على دور وزارة الخارجية الإسرائيلية ذاتها، فلا أحد يسمع بها أو بوزيرها الجنرال غابي أشكنازي! والسؤال هنا: لماذا تشغل وزارة خارجية الكيان الصهيوني نفسها أصلاً، ما دام هناك من يقوم بالمهمة نيابة عنها، ولديه من أوراق الضغط والابتزاز ما يفوق ما لديها؟
لا يتوقف بحث الرئيس تامب وأركان إدارته عن دول أخرى لإضافتها إلى لائحة الدول (المطبّعة)، وكل هذا لا يوقف ترامب عن استمرار (التبشير) بقرب اتساع موجة التطبيع، حتى وإن كذب وبالغ وافترى ومارس كل وسائل وأنواع الترهيب والترغيب والرشوة، في مساعيه لثني دول عن مواقف تقليدية معروفة لها بالامتناع عن التطبيع.
الآن، يعزف ترامب على وتر (لبنان)، فيصفه بأنه (بلد مُختطف) من قبل حزب الله، على حدّ زعمه، ولذلك فقد دخل في قلب دائرة البلدان المستهدفة، بمعنى أنه لا حل لمشكلة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، من دون مفاوضات مباشرة بينهما، هكذا يعتقد ترامب ويسعى بهذا الاتجاه، انطلاقاً من تصوره بأن الضائقة الاقتصادية التي تعتصر لبنان، خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت، والحالة الصعبة التي يجد حزب الله نفسه فيها، حسب زعم ترامب، كل ذلك يسمح لواشنطن بتجريب حظوظها هذه المرة، وابتزاز اللبنانيين، لإرغامهم على سلوك طريق التفاوض المباشر مع إسرائيل التي تحتل جزءاً من أرضهم ومياههم.
إذاً، آخر ما صدر عن الإدارة الأمريكية هو (التبشير) بقرب التئام مائدة المفاوضات المباشرة بين لبنان وإسرائيل.
بالطبع، فإن لبنان سيرفض محاولة الابتزاز هذه، هذا هو الأرجح، لأنه بلد بشعبه ومقاومته لا يمكن أن يخضع لأوامر واشنطن.
وعلى سبيل المثال، كانت الباكستان من بين الدول التي (بشّر) الأمريكيون بقرب التحاقها بمسار التطبيع، وانضمامها إلى نادي الدول (المطبّعة)، على الرغم من أن الشعب في هذه البلاد وحكومته وبرلمانه أكدوا أكثر من مرة أن بلدهم لن يعترف بإسرائيل ولن يطبّع معه، قبل أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
هذه التأكيدات لم تقنع واشنطن بالكف عن الترويج لموجة تطبيع قادمة، حسب تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة، وهو يعقّب على توقيع الاتفاق بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، بل مازالت الإدارة الأمريكية جادة في البحث عن نقاط ضعف أو أيادٍ مجروحة، هنا وهناك في دول العالم، لكي تضغط عليها وتدفعها مكرهة إلى التطبيع.
بالطبع، نحن نفهم أن هناك (تماهياً عقيدياً) بين ترامب وفريقه الرئاسي واليهودية والصهيونية، وأنه يستمر في تعداد المكاسب التي قدمها لإسرائيل، ويحث قادة اليهود في الولايات المتحدة على التصويت له في الانتخابات القادمة، إلا أن مثل هذا الابتذال والتزلف للصوت اليهودي الإنجيلي بلغ حداً غير مسبوق، وهو مذلّ ومهين للشعب الأمريكي قبل غيره.
باختصار، إن الأسابيع القليلة المتبقية للانتخابات الأمريكية ستشهد المزيد من الابتزاز الأمريكي لدول عربية غير عربية، والضغط عليها للتطبيع مع إسرائيل.