الشيوعي السوداني يهاجم الحكومة ويحذر من حرب شاملة بسبب اتفاق جوبا

صوّب الحزب الشيوعي السوداني سهام النقد لأداء الحكومة الانتقالية في جميع الأصعدة: سياسياً، اقتصادياً، وقانونياً حقوقياً، وأعلن (الشيوعي) خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في المركز العام للحزب بالخرطوم 2، عن مواجهته المفتوحة للحكومة حتى تتحقق مطالب الثورة، داعياً لجان المقاومة والثوار لتنظيم الصفوف وتمسكهم بالوحدة وإسقاط البرنامج الاقتصادي للحكومة.

وقدمت الناطقة الرسمية للحزب الأستاذة آمال الزين، التي أدارت المؤتمر الصحفي جيداً، قدمت السكرتير السياسي للحزب الشيوعي المهندس محمد مختار الخطيب، الذي شنّ هجوماً حاداً على ما أسماه بقوى الهبوط الناعم وقال :(لا يرغبون في التغيير الجذري، وإنما يريدون ورثة النظام السابق وشركاته مسنودين بقوى إقليمية ودولية)، واتهم العساكر وقوى الهبوط الناعم والجبهة الثورية بعدم شعورهم بمعاناة الناس. وقال الخطيب: تلك القوى تضع العراقيل أمام استكمال الثورة مشيراً إلى عدم تشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية ونادي القضاء، وأضاف إنهم يمارسون الكذب والفساد والخداع لتمرير أجندتهم. وتابع: إنهم مستعدّون للخنوع للخارج وأن يعملوا وكيل الرأسمالية الطفيلة، واتهمهم بالتفريط في الأرض والسيادة الوطنية. وشخص الخطيب سمات الأزمة الحالية التي قال إن من ملامحها عدم الاستقرار السياسي والدائرة الشريرة للرأسمالية. ورهن الخطيب حل تلك الأزمة العصية عبر استدامة وتوطين الديمقراطية، ودعا للتخلص من التبعية للخارج وإجراء إصلاح اقتصادي شامل والاعتماد على الذات، ونبه إلى أن الخارج يستخدم الغذاء كجزرة وعصا لتركيع الشعوب. وقال إن خطة الهبوط الناعم هي طرد الريف من أهله وتمكين الرأسمالية والاستثمارات ذات السنين الطويلة التي تصل إلى مئة عام.

حرب شاملة

وحذر الخطيب من أن يؤدي اتفاق سلام جوبا الموقع بين الحكومة والجبهة الثورية في الثالث من تشرين الأول الماضي من أن يقود الاتفاق إلى حرب ليس بين الحكومة والمركز والأطراف، إنما بين مكونات الإقليم الواحد.

وقال: هذه الاتفاقيات تهدد السلام وتقود للحرب وتضر بالنسيج الاجتماعي وتؤدي للاضطراب في التعايش السلمي، وتهدد وحدة السودان، ووصف الخطيب اتفاق جوبا بأنه غير دستوري وكذلك إجازته غير دستورية وأن المجلس الأعلى للسلام الذي تم تشكيله غير دستوري، وأضاف إن العساكر اختطفوا ملف السلام واستلموا مهام تنفيذية، وأوضح الخطيب إن تغول العساكر على ملف السلام يهدف لدعم وتعزيز موقف الهبوط الناعم في الحكومة الانتقالية، وأشار المتحدث إلى أن الهدف من مفاوضات السلام الختامية وحلولها الجزئية الهدف منها تقسيم الكيكة والثروة والسلطة، وانتقد الخطيب الاتفاقية لتمخضها عن مسارات السلام التي اتبعت في المفاوضات لمناطق لم تشهد حروباً ولا جيوش، وهذه المسارات تمت مواجهتها برفض شعبي في مناطقها.

وذكر الخطيب أن حزبه مع ملف السلام الشامل ومعالجة كل الأسباب التي أدت للحرب طوال 60 عاماً، داعياً للاعتذار لأهالي مناطق النزاع للحلول العسكرية التي تم اتخاذها والتبشير بالسلام والتعايش السلمي والعودة الأمنة للنازحين وتوفير سبل كسب العيش وإجراء مصالحات اجتماعية بعد الاستقرار وعقد مؤتمر دستوري قومي يمثل فيه الجميع.

تطبيع بالدس

فيما يتعلق بالتطبيع مع دولة إسرائيل لوح الشيوعي بالتصعيد الثوري واستخدام الأدوات كافة لتصحيح مسار الثورة، ودعا في الوقت ذاته لجان المقاومة والثوار للتمسك بالوحدة والتنظيم الجيد، وقال السكرتير السياسي للشيوعي :(إن الحزب من حيث المبدأ يرفض التطبيع مع إسرائيل)، داعياً لتشكيل جبهة جماهيرية عريضة قوية ترفض التطبيع مع دولة عنصرية، وأعلن عن استمرار تعاونهم مع لجان المقاومة الفلسطينية، وانتقد الطريقة التي تم بها إعلان التطبيع من دون شفافية. وتساءل الخطيب: لماذا التطبيع بالدس والتآمر؟ ولماذا تداس كرامة الشعب الذي حقق ثورة عظيمة؟ وتساءل الخطيب بقوله: ماهي علاقة رفع اسم السودان من قائمة الارهاب والتطبيع مع إسرائيل؟ وتأتي الحكومة وتقول هذا أمر واقع! نحن في الشيوعي كمبدأ نرفض التطبيع مع إسرائيل وندعو لجبهة جماهيرية عريضة لمواجهة ذلك ونؤكد في الوقت ذاته تضامننا مع المقاومة الفلسطينية.

وانتقد الخطيب عدم تشكيل المؤسسات التي تكمل هياكل الحكم الانتقالي، كـ(المحكمة الدستورية، ونادي القضاء)، ونعت الحكومة بالكذب والتضليل والخداع.

انهيار الاقتصاد

عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب كمال كرار، تناول الراهن الاقتصادي وصوّب سهام النقد للبرنامج الاقتصادي لحكومة الثورة، وتوقع أن يشهد الشعب السوداني معاناة لا مثيل لها تتجسد في ندرة السلع والغلاء الجنوني في السلع كافة، بسبب رؤية الحكومة الأحادية لمعالجة مشاكل الاقتصاد ورفع الدعم.

كرار ذهب لمطالبة الثوار بالتمسك بأهداف الثورة وإسقاط برنامج الحكومة الاقتصادي كما سقط البشير، الذي يكرس كل مقدرات البلاد في أيدي الرأسمالية الطفيلية.

كرار أرجع التدهور الاقتصادي والمعاناة التي يتكبدها المواطنون إلى الأشخاص الذين يديرون أمر الاقتصاد، وقال إن السياسة المتبعة تهدف لتمكين قوى اجتماعية محددة داخلية وخارجية تستفيد من كل موارد البلاد، وتجعل السواد الأعظم من قوى الشعب في الفقر المدقع.

وأبان أن حكومة الثورة في سياساتها الاقتصادية خالفت كل محددات وتوجهات قوى الحرية والتغير وتطلعات وأشواق الثوار، كرار نعت الحكومة بالكذب وتضليل الرأي العام عبر التزامها بالبرنامج الاقتصادي وتعمل على عكس ما تعلنه في الإعلام، منذ رفع قيمة الدولار الجمركي وتحرير أسعار الوقود، وحذر من اتباع خطط مدرسة الاقتصاد التي تكرس للرأسمالية الطفيلية.

كرار قال إن اتفاق الحكومة السري مع صندوق النقد الدولي، نسف كل محاولات للمعالجة الاقتصادية الثورية ووضع أشواق الثوار في التغيير الاقتصادي في سلة المهملات، ويؤكد كرار أن الاتفاق يعود بالبلاد إلى ما قبل ثورة ديسمبر، وكشف عن تفاصيل الاتفاق الذي لا يضع معالجات أو حلولاً للتنمية الزراعية والصناعية وتنمية القطاع الرعوي ولم يتطرق لمشاكل البطالة.

انتهاكات مخيفة

عضو اللجنة القانونية واللجنة المركزية للحزب صالح محمود تطرق للانتهاكات العنيفة التي تحدث بشكل مستمر من قبل حكومة الثورة، ونكثها للعهود التي تواثق عليها الثوار والشهداء، محمود نبه إلى أن ثورة ديسمبر في المقام الأول هي ثورة من أجل الكرامة ونيل الحقوق السياسية والقانونية والاقتصادية، ودلل على أن الحكومة سجلت تراجعاً في كل مناحي الحياة بشكل مخيف.

عضو اللجنة القانونية أعلن عن دخول الحزب في المواجهة المفتوحة مع الحكومة واستخدام كل الأدوات من أجل الضغط واحترام حقوق الشعب، ورفض صالح التبريرات التي تطالب بعدم مواجهة الحكومة باعتبار أنها حكومة ثورة تجاوز عمرها العام، ونبه إلى أن الحكومة أدمنت الكذب وتضليل الرأي العام، ويقول :(هنالك الكثير من القرارات التي كان ينبغي أن تلغى بقرار ثوري منذ الشهر الأول).

وقطع بأن كل القوانين الموروثة من النظام المباد لا تزال موجودة منها (قانون سبتمبر 1983، وقانون الصحافة والمطبوعات وقوانين الأمن، وقوانين تتعارض مع بنود الوثيقة الدستورية، وقوانين تمنع المواطنين من الوصول إلى مؤسسات العدالة، قوانين تتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية)، وكشف صالح محمود عن رفض الحكومة للتعاون مع الخبير المستقل لحقوق الإنسان الذي كان يمكن أن يقدم المساعدة الفنية للحكومة في الملفات ذات الصلة.

محمود استغرب عدم توقيع الحكومة حتى الآن على اتفاقية منع التعذيب والمصادقة عليها وعدم المصادقة والتوقيع على اتفاقية (سيداو)، وفسر صالح هذا لمحاولة حكومة الثورة في التمادي في الانتهاكات والعنف ووضع حد للممارسات التي مارسها نظام البشير وتمارسها الحكومة الحالية، ويسترسل بالقول :(صدمنا للانتهاكات المستمرة والقمع المفرط للاحتجاجات السلمية والاعتصامات في كل مناطق السودان، ووصل الأمر خطورة إلى قتل مواطنين بسبب التعبير عن حقهم الدستوري والقانوني).

عضو اللجنة المركزية يكشف عن انتهاكات مخيفة ظلت تمارسها حكومة الثورة متمثلة في الاعتقالات التعسفية والإرهاب الفكري والتضييق على مساحات الرأي والتعبير، وتجسد هذا السلوك في موكب 21 أكتوبر بإرهاب الصحفيين، فضلاً عن التضليل المتعمد للرأي العام وعدم الشفافية باعتبارها ممارسات لا تتسق مع حقوق الإنسان، ويشير محمود إلى زيارة رئيس مجلس السيادة إلى عنتيبي ولقائه برئيس الوزراء الاسرائيلي والنكران الذي قامت به الحكومة لهذا اللقاء، معتبراً أن هذا السلوك يجعل الحكومة تفقد مصداقيتها وثقتها لدى الشعب الذي ليس بغافل.

إرهاب فكري

تصريح وزير العدل نصر الدين عبد البارئ الذي برر موقف الحكومة بالتطبيع وأن المواقف الإيديولوجية أو الحزبية لا تحدد السياسة الخارجية للحكومة، صالح محمود اعتبر أن هذا الحديث ينبغي ألا يصدر من حكومة ثورة وهو عبارة عن إرهاب فكري ومصادرة حقوق الآخرين في الانتماء، محمود يطالب رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل بضرورة الاعتذار، ويقول: (هذه الحكومة حكومة ثورة وغير منتخبة حتى تعلن برنامجها السياسي).

وفيما يتعلق بلجان التحقيق التي شكلتها الحكومة حول الانتهاكات والمجازر، محمود يتهم الحكومة بالمراوغة من إعلان النتائج حول تلك التحقيقات، وتراهن على عامل الزمن حتى ينسى الشعب، ويضيف: (مجزرة القيادة العامة وكل دم سوداني سفك الشعب لا ينساه، كما حدث في مجازر وإبادات دارفور، وإن لجنة أديب هي عبارة عن تضليل للرأي العام المحلي والدولي).

فيما يتعلق بتعاون الحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية شكك محمود في صدق جدية الحكومة في هذا الملف متهماً إياها بالمراوغة ويطالب صالح بمثول البشير ومنسوبيه المطلوبين للمحكمة بالمثول أمامها، لتحقيق العدالة وإنصاف ذوي الضحايا، وأن تكون محاكمته عبرة لكل ديكتاتور سفاح، ونبه إلى أن البشير يواجه أيضاً تهمة عرقلة العدالة لعدم مثوله أمام المحكمة، ويطالب الحكومة بتقيد هذه التهمة ضده.

وأنهى صالح حديثة متخوفاً من تحول الحكومة إلى حكومة ديكتاتورية تنتهك كرامة المواطنين عبر الاعتقالات وغيرها من الإجراءات التعسفية، مطالباً الحكومة بتصحيح مسارها والالتزام بتطلعات الشعب الثورية وإلا فإن الشعب قادر على معالجة الأوضاع.

العدد 1104 - 24/4/2024