رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحّد ومواقفه من آخر المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

الرفاق الأعزاء:

منذ اجتماع اللجنة المركزية السابق حتى تاريخه حدثت تطوّرات مهمّة، ووقعت أحداث كبيرة على كلّ المستويات وفي جميع المجالات. وقد بيّن الحزب رأيه ومواقفه إزاء كلٍّ منها، في حينها، من خلال الافتتاحيات والمقالات الرئيسية التي نشرتها جريدة (النور)، أو نُشرت في الحقيبة الإلكترونية الأسبوعية. وكذلك من خلال البيانات والبلاغات الصادرة عن اجتماعات المكتب السياسي.

أ‌-          فعلى الصعيد العالمي والوضع الدولي

ازدادت حدّة التناقضات الأساسية:

1-         بين الإمبريالية العالمية وجميع شعوب العالم.

2-         بين كلٍّ من حكومات الأنظمة الرأسمالية من جهة، والجماهير والطبقات الكادحة في بلدانها من جهة أخرى، وزادت أيضاً الاحتجاجات الشعبية داخل الدول الرأسمالية.

3-         بين المراكز الإمبريالية العالمية، والتجمّعات السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية التي برزت في مواجهتها.

4-         زادت مديونية الدولة في الدول الرأسمالية بنسب كبيرة، وبرزت ظواهر دخول النظام الرأسمالي في أزمة اقتصادية حادّة.

5-         ازداد الاختلال في منظومة العلاقات الدولية، وأزمة الثقة بين الدول وحدّة التوتّر، وتجلّى ذلك بأشكال مختلفة، من حروبٍ تجارية واقتصادية ودبلوماسية وإعلامية، والعودة إلى سباق التسلّح وإلى توتّرات وحشود عسكرية في البرّ والبحر، وصلت إلى حدّ المعارك الحربية (أرمينيا- أذربيجان)، وإلى خلافاتٍ جدّية وصلت إلى القطيعة بين دول تنتمي إلى حلفٍ واحد(دول الناتو)..وكلّ ذلك بسبب تبنّي الإدارة الأمريكية، والدول الدائرة في فلكها، سياسة الحرب الدائمة سواء المباشرة أو بالوكالة، بهدف استمرار هيمنتها كقطب وحيد على السياسة والاقتصاد الدوليين، وكأن زعماء أمريكا لم يدركوا حتى الآن أن تعدّدية الأقطاب صارت واقعاً سياسياً جديداً، ولا يستطيع أحد أن يغيّر هذا الواقع. ورغم ذلك يسعى قادة أمريكا إلى إطالة عمر زعامتها، من خلال زيادة تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان والأقاليم الأخرى، عسى أن تتبدل الأحوال وتنشر الفوضى، وتُخضع لنفوذها فضاءات جيوسياسية جديدة، مستخدمين لذلك كلّ الوسائل والأساليب، وبضمنها إعادة إحياء بعض المجموعات الإرهابية المسلحة وعلى رأسها (داعش)، وتشكيل قيادة عسكرية عامة موحّدة لما يسمّى بـ (المجاهدين)! كلّ هذا في إطار التحرك الاستراتيجي الأمريكي، لاستكمال تطويق الصين وروسيا من جهة، ولاستخدام هؤلاء الإرهابيين،حين اللزوم، للقيام بأعمال إرهابية في الدول الأخرى الخارجة أو التي تريد الخروج على الطاعة لأمريكا؛ إضافة إلى معاقبة هذه الدول اقتصادياً ومالياً، والعمل لعزلها سياسياً ودبلوماسياً، وتحريك العملاء والوكلاء في داخل كلٍّ منها. وللتخفيف من حدّة أزمة النظام الرأسمالي الداخلية وتفاقمها، تتبع الولايات المتحدة وحلفاؤها نهجاً قائماً على حلّ مشكلاتهم الخاصة على حساب مصالح الشعوب وحقوقها.وقد زاد من حدّة هذه الأزمة انتشارُ جائحة كورونا،فقد تجاوز عدد المصابين بها في العالم أكثر من 40 مليون إنسان، وأدّت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف مليون إنسان.لقد كشفت هذه الجائحة عن المزيد من عيوب النظام الرأسمالي، من جهة، وأدّت إلى المزيد من تدهور العلاقات بين الدول، وخاصة الدول الأوربية، وإلى توتر أجواء العلاقات الدولية بين  الدول الكبرى (أمريكا والصين)،وإلى ازدياد مخاطر الإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وكثرة النزاعات بين الدول (تركيا- اليونان)، وعدم الاستقرار والفوضى والركود الاقتصادي، والتراجعات في معدلات النمو والإنتاج، وازدياد البطالة والكساد والفقر،فقد تجاوز عدد الفقراء في العالم لحدّ الآن ملياراً ومئتي مليون إنسان، مما ينذر بدخول العالم مرحلة شديدة الخطورة، ويتطلب المزيد من التضامن والتعاون بين الدول.

ب‌-        حول المستجدات في الوضع العربي والإقليمي

   تزداد حدة التناقضات والصراعات في منطقتنا بين قطب حلف الولايات المتحدة من جهة، وقطب المقاومة لمشاريع الولايات المتحدة وسياستها من جهة أخرى.

ويحتدم الصراع بين هذين القطبين حول مستقبل المنطقة.

وأخطر ما حدث خلال هذه الفترة هو البدء بالتنفيذ العملي لما سمّي بـ”صفقة القرن”، فبعد أن أعلن ترامب موافقته على جعل القدس عاصمةً للكيان الصهيوني وضمّ الجولان، تبعها إعلان الإمارات ثم البحرين التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني.

بلا شكّ،إن ما جرى ويجري ليس تطبيعاً فقط مع عدوّ محتلّ، بل هو بناء حلف يستهدف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وإيران، واعترافٌ بالنوايا التوسعية الصهيونية.

لقد أدان حزبنا كلّ اتفاقيات التطبيع بين أنظمة عربية والكيان الصهيوني، وحذّر من انجراف أنظمة عربية أخرى إلى مربّع الذلّ والهوان، وأكد الحزب أن القضية الفلسطينية ما تزال القضية المركزية للشعوب العربية، وأن صفقة القرن تستهدف ليس فقط تصفية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير، بل تستهدف أيضاً دول المنطقة ومصالح شعوبها.

فالخطر يهدّد الجميع، ما يعني أن قوى التحرر العربية والديمقراطية واليسارية هي الأخرى معنيّة بالانخراط في المعركة ضد المشروع الأمريكي-الصهيوني، ليس من موقع التضامن مع الشعب الفلسطيني فقط، بل أيضاً من موقع القيام بالدور النضالي المطلوب منها في إطارها القطري، دفاعاً عن وحدة أراضيها ومجتمعاتها، ودفاعاً عن استقلال دولها وسيادتها ومصالح شعوبها،وذلك باستخدام كل الوسائل المشروعة في مواجهة هذا المشروع الأمريكي-الصهيوني. ومن هذا المنطلق يرى الحزب أن المشروع البديل هو المقاومة؛ مقاومة العدو وتحرير جميع الأراضي المحتلة، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

الحدث الثاني الهام والخطير، والذي لا يمكن فصله عن كل ما يجري في المنطقة وخاصة مسألة “صفقة القرن” والتطبيع مع الكيان الصهيوني، هو انفجار مرفأ بيروت.

لقد أدى الانفجار إلى كارثة إنسانية واقتصادية واجتماعية ضخمة، وترك آثاراً كبيرة على كل الوضع اللبناني، والوضع الإقليمي. ومما لاشكّ فيه أنّ لهذه الجريمة النكراء أهدافاً جيوسياسية تتجاوز حدود لبنان، إضافة إلى خلط الأوراق، وإعادة ترتيب الوضع في لبنان بما يخدم المصالح الغربية، من خلال إثارة النعرات الطائفية والمناطقية، وإدخال لبنان والمنطقة في صراعات وخلافات جديدة، بهدف تعديل موازين القوى بين أطراف السلطة اللبنانية لخدمة المشاريع الخارجية، وضرب المقاومة وإقصائها،من خلال تسعير حملات التحريض ضدها، وضد جميع قوى محور المقاومة، والعمل لاستدراج قوى استعمارية خارجية، ولخدمة الكيان الصهيوني من خلال طرح ميناء حيفا بديلاً عن مرفأ بيروت، لنقل البضائع والمواد إلى دول الخليج. وقد رأينا كيف دخلت منذ أيام أول سفينة تجارية إماراتية إلى ميناء حيفا مملوءة بالمواد والبضائع،في الوقت الذي يزداد فيه الحصار على الشعب السوري وتُمنع عنه أبسط مستلزمات العيش والحياة.

وقد رأينا كيف ظهر تطبيع ممالك وإمارات الخليج مع الكيان الصهيوني مباشرة بعد جريمة التفجير،وجرى الإعلان عن الزيارات المتبادلة واللقاءات المشترك. هذا من جانب، ومن جانب آخر تعمل الولايات المتحدة للدخول في الوضع اللبناني، من خلال سفارتها ومبعوثيها، ومن خلال تحريك القوى الموالية لها لإثارة البلبلة والمشاكل، وتحريك المجموعات الإرهابية في الشمال للسيطرة على ميناء طرابلس، وتحويله إلى قاعدة ارتكاز لكل المنطقة، وصولاً إلى الساحل السوري. وهذا العمل الأمريكي يشكل الجناح الثاني للعمل الذي تقوم به “ماما فرنسا” بما سمّي “المبادرة الفرنسية”.

لقد أبدى حزبنا منذ اللحظات الأولى تضامنه الكامل مع أبناء الشعب اللبناني، ومع الأشقاء في الحزب الشيوعي اللبناني، من خلال الاتصال المباشر معهم، ومن خلال تصريح الناطق الإعلامي ورسالة التضامن،ومداخلة الرفيق الأمين العام للحزب في اللقاء التضامني الذي نظمه الحزب الشيوعي اللبناني عبر تطبيق الزوم.

ج- في تطورات ومستجدات الوضع الداخلي

   لا نبالغ إذا قلنا إن المرحلتين الحالية والقادمة، اللتين تواجههما بلادنا، هما الأخطر بكلّ المقاييس، منذ تكوّن الدولة الوطنية بعد الاستقلال، وستشكّلان منعطفاً سيمارس تأثيره على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ففي الوضع الميداني، ما زالت البؤر، التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية بمساعدة الأمريكيين والأتراك في إدلب وعفرين والحدود الأردنية، تشكل العائق الأساسي أمام انتهاء الحرب العسكرية على الأرض السورية، ومازال الاحتلالان التركي والأمريكي يدنّسان تراب الوطن، وما زال القسم الأعظم من منطقة شرق الفرات والجزيرة السورية خارج سيطرة الدولة، ولذلك فإن أغلب حقول النفط والغاز ومراكز الزراعات الاستراتيجية تحت سيطرة (قسد) المدعومة والمغطاة من الاحتلال الأمريكي، المرفوض شعبياً وقانونياً، إضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بقصف مواقع متعددة داخل الأراضي السورية، وإلى انتشار الحرائق الكبيرة والمؤلمة وتكرارها، سواءٌ التي حدثت صيفاً في منطقة الجزيرة السورية، أو التي حدثت منذ أيام في أرياف محافظات حمص، طرطوس، اللاذقية، وأدت إلى أضرار كبيرة بممتلكات الأهالي، وبالغابات الحراجية والأشجار المثمرة، وما تركته من آثار اقتصادية وبيئوية، وازدياد الحوادث الأمنية، وظواهر الجرائم الجنائية من سرقات وسلب وخطف وقتل.

إن الأحداث المأساوية والمؤسفة التي وقعت منذ أيام في محافظة السويداء، والتي أدت لاستشهاد عدد من المواطنين وجرح عدد آخر؛ هي من ناحية محصلة لأعمال الخطف والابتزاز والقتل المتبادل من قبل العصابات والزعران، ولعمليات المصالحة غير المكتملة، ومن ناحية أخرى يمكن أن تخفي شيئاً آخر ذا أبعاد سياسية. كل هذا يجري في ظل غياب كامل للدولة، التي من المفترض أن تقوم بدورها البديهي كسلطة تمنع وقوع مثل هذه الأحداث من جانب، وتعاقب بقوة القانون من قام بها، ومن خلفهم ومن يدعمهم.

إننا ندين بشدة هذه الأعمال الإجرامية، ونطالب الحكومة بأن تقوم، وبالسرعة القصوى، بالدور المنوط بها لحماية أرواح مواطنيها وأملاكهم، ولمنع تطور مثل هذه الأحداث ومنع تكرارها، ولقطع الطريق على أيّ جهة، داخلية أو خارجية، تحاول استغلال مثل هذه الأحداث لتنفيذ مشاريع تآمرية ضد أبناء البلد الواحد.

أما على مستوى الجهود السياسية الدولية للتسوية السلمية لحل الأزمة السورية، فتُطرح سيناريوهات عديدة، وبلا شك فإن كل سيناريو مرتبط برؤية الدولة التي تطرحه وموقفها ومصالحها، وقد ظهر جلياً صعوبة التوفيق بين مصالح جميع الدول المتداخلة في الأزمة السورية دون تنازل الأطراف فيما بينها.

من هنا يؤكد حزبنا، الذي سبق أن طالب وما زال، أنّه يدعم جهود التسوية السياسية، لقناعته بأنه لابدّ من التوصل إلى حلٍّ سياسي “يضمن استقلال الدولة السورية ووحدتها أرضاً وشعباً، في مواجهة جميع محاولات التفرقة أو التقسيم على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية، ويضمن أيضاً حق المواطنين السوريين في اختيار نظامهم السياسي وقادتهم، بالاستناد إلى دستور ديمقراطي”.

من هذا المنطلق نؤكد موقفنا الثابت الذي يتجلى في:

1-         النضال من أجل تحرير جميع الأراضي السورية المحتلة، سواء من الكيان الصهيوني أو من القوات الأمريكية وحلفائها، أم من تركيا العثمانية، أم من العصابات الإرهابية الأخرى.

2-         الاستمرار في مكافحة الإرهاب بمختلف صوره، والتصدي لأي نوع من مخاطر تقسيم الوطن أو تجزئته أرضاً وشعباً، وبسط سيطرة الدولة على جميع الأراضي السورية، وبضمنها الجولان السوري المحتل ولواء إسكندرون، والعمل لاستعادتها بكلّ الوسائل الممكنة.

3-         معالجة القضايا المتعلقة بحياة الجماهير الشعبية، وتأمين مستلزمات الحياة الكريمة لأبناء شعبنا.

4-         إجراء تغيير عميق في بنية النظام السياسي، بغية الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية، تعددية، علمانية، وتقدمية؛ تقوم على أساس المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

انطلاقاً من هذه الثوابت التي أقرها المؤتمر الثالث عشر للحزب ينظر حزبنا إلى جميع التطورات والأحداث، ويقّيم مواقف الدول والقوى والأحزاب والشخصيات، ومن هذا المنطلق يؤكد حزبنا أهمية الوحدة الوطنية بين جميع مكوّنات الشعب السوري، لكونها أحد العوامل الأساسية في قوة الشعب السوري وصموده تجاه الأعداء الأساسيين.

ويؤكد أن (أحد أهم عناصر ضمان استمرار هذا التلاحم الوطني هو قيام الدولة على قواعد ثابتة من الديمقراطية السياسية المبنية على أسس المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات).

ومن هذا المنطلق يؤكّد حزبنا (أن الشعب الكردي في سورية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والاجتماعي للشعب السوري، شأنه في ذلك شأن جميع روافد الشعب السوري… مما يتطلب ضمان الحقوق الثقافية والاجتماعية للجميع في إطار المواطنة والمساواة والتكافؤ في الدستور).

ويرى الحزب أنه “لابد من تطوير قانون الإدارة المحلية على نحو يأخذ بالحسبان القضايا المتعلقة بالمتطلبات والحاجات المحلية لجميع المحافظات السورية، على أسس المساواة، مع التأكيد على وحدة الدولة السورية أرضاً وشعباً، ورفض أي شكل من أشكال التجزئة أو التقسيم مهما اتخذ من التسميات”.

ويؤكد حزبنا عدم ربط حقوق المواطنين من أيّ مكوّن من مكوّنات الشعب السوري بمواقف بعض القادة السياسيين لهذا التنظيم أو ذاك، بل النظر إليها كثوابت أساسية في دستور الدولة السورية الحاضنة لكلّ مكوّنات الشعب السوري.

وفي الوقت نفسه يرفض حزبنا ويدين محاولات بعض قادة عدد من المنظمات التآمر مع العدو الخارجي ضد الدولة السورية بذرائع مختلفة، الأمر الذي يهدّد أمن الدولة السورية ووحدتها.

من هذا المنطلق أيضاً نرى أنّ على قادة الأحزاب والمنظمات الكردية تفهُّم الوضع السوري والمسألة السورية، وعدم الانجرار وراء الوعود الأمريكية الكاذبة والمخادعة، والتي لا تصبّ إلا في مصلحة العدو الإسرائيلي والمحتل الأمريكي.

رسالة إلى السيد الرئيس:

   وانطلاقاً من ضرورة وأهمية معالجة بعض القضايا المستعجلة المتعلقة بحياة ومعيشة الجماهير الشعبية، أرسلت قيادة الحزب في شهر حزيران من هذا العام، رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد، أكدت فيها وقوف الحزب إلى جانب الجيش السوري الباسل في تصدّيه لبقايا الإرهابيين، وفي مواجهته للعدوان التركي الغاشم والاحتلال الصهيوني والأمريكي للأراضي السورية, وتضمّنت الرسالة رؤية الحزب للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانعكاسها على الوضع المعيشي للمواطنين السوريين، كما تضمّنت حزمةً من الاقتراحات لمواجهة الضغوط الاقتصادية التي تنفذها قوى التحالف الدولي المعادي لسورية وشعبها، بقيادة الإمبريالية الأمريكية، وخاصة (فانون قيصر) سيّئ الصيت، وأكدت الرسالة ثقة الحزب بأن النصر النهائي سيكون إلى جانب سورية وشعبها الصامد وجيشها المقدام.

مجلس الشعب:

لقد جرت انتخابات مجلس الشعب في ظل ظروف استثنائية وصعبة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

وقد أكد حزبنا في حينها أن هذه الظروف الاستثنائية تتطلب أن يسفر الاستحقاق الدستوري عن مجلس تشريعي جديد يتبنى تلبية الاستحقاقات الوطنية الرئيسية من جانب، وطموحات المواطنين السوريين من جانب آخر.

وأن يمثل هذا المجلس أوسع تحالف للقوى الوطنية، وأن تمثَّل فيه الجبهة الوطنية التقدمية لا كتلوين لمكوناته، بل تعبيراً عن أهميتها، والأحزاب المشاركة فيها.

وأكد حزبنا أن المطلوب من مجلس الشعب مواصلة سن التشريعات التي تحافظ على سيادة البلاد ووحدتها أرضاً وشعباً، وفي الوقت ذاته أن يضع القوانين التي تنظم حياة المواطن السوري وتحافظ على كرامته.

ودعا حزبنا جماهير شعبنا إلى التصويت لممثلي شرفاء الوطن، وقدّم عدداً من المرشحين في عدة محافظات،وقد جرى إدخال الرفيق ينأحمد بوسته جي، وإسماعيل حجو، في قائمة الوحدة الوطنية في كلٍّ من محافظتي إدلب والرقة.

الحكومة الجديدة:

أصدر السيد الرئيس المرسوم رقم 221 لعام 2020 القاضي بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة المهندس حسين عرنوس، وتكوّنت الحكومة الجديدة من 29 وزيراً، منهم أربعة وزراء ينتمون لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وقد مثّل حزبنا في هذه الحكومة الرفيق المهندس ملول الحسين (عضو المكتب السياسي) وزير دولة لشؤون مجلس الشعب.

لقد حدّد حزبنا المهام الأساسية التي ينبغي أن تتركز عليها جهود الحكومة الجديدة قبل تشكيلها سواءٌ على الصعيد السياسي أو الاقتصادي الاجتماعي، ونشرنا رؤيتنا وموقفنا في العدد 924 من (النور) تاريخ 26/8/2020وفي الحقيبة الإلكترونية بعنوان “مهام أساسية أمام الحكومة الجديدة”.

أكدنا أن المهمة الأساسية التي ينبغي أن تتركز عليها جهود الحكومة هي:

1-         تحرير كلّ شبر من الأراضي السورية والتخلّص من بقايا الإرهابيين، وبسط سيطرة الدولة السورية على جميع الأراضي السورية، ومصادر المواد والثروات الرئيسية.

2-         السير في طريق تحقيق إصلاحات ديمقراطية واجتماعية وترسيخ اللحمة الوطنية والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً. والحفاظ على حقوق وكرامة المواطنين وسيادة القانون واستقلال القضاء.

3-         العمل وبالسرعة القصوى لتخفيف معاناة جماهير الشعب عبر تدخل الدولة الفاعل كمنتج ومسوّق ومراقب وضابط للسوق. وكراعٍ للفئات الفقيرة، ومخلّص للناس الفقراء من سطوة “غيلان السوق وتجار الأزمة.” والعمل لتأمين متطلبات المواطنين من ماء وكهرباء وغذاء ودواء.

4-         وعلى المستوى الاستراتيجي طالبنا بإقرار نهج اقتصادي واجتماعي يقود البلاد إلى اقتصاد تعددي تنموي رعائي، يحقق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومتوازنة ومستدامة ويضمن توزيعاً عاملاً للثروة الاجتماعية. وفق خطط وبرامج تكون مسائل إعادة الإعمار، وتحريك عملية الإنتاج وتأمين مستلزمات الحياة الكريمة للمواطنين من أول أولوياتها.

5-         تسهيل عودة اللاجئين في الخارج إضافة إلى مساعدة المهجرين قسراً في الداخل إلى بيوتهم التي يمكن إصلاحها في المناطق المحررة.

 وقدمت الحكومة الجديدة بيانها لمجلس الشعب يوم الأحد 20/9/2020.

أكد البيان تعزيز مقومات صمود الوطن وأمنه والسعي لتحسين الوضع المعيشي، كما أكد أهمية تعزيز الحوار الوطني، واستكمال المصالحات وإعادة الحياة للمناطق المتضررة وتعزيز ثقافة المواطنة.

والتزام الحكومة بتنويع القاعدة الإنتاجية وزيادة وتوفير مستلزماته، وتنويع قاعدة الصادرات واستكمال وضع قانون الاستثمار الجديد، وتفعيل التشاركية بين القطاعين العام والخاص.

ألقى كل من الرفيقين عضوي مجلس الشعب: أحمد بوسطه جي، وإسماعيل حجو، مداخلة، تطرّق فيها إلى هموم الوطن والمواطن، وطالبا بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، كما أكدا موقف الحزب ورؤيته في معالجة العديد من القضايا الاقتصادية. وتضمنت المداخلتان عدة اقتراحات ملموسة تتعلق بضرورة وضع برنامج كامل لمحاربة الفساد، وضرورة زيادة الرواتب والأجور، وإعفاء رواتب العاملين في الدولة من ضريبة الدخل، كما ركزتا على سيادة القانون وإصلاح القضاء والاهتمام بصحة المواطنين وتعليمهم.

حول زيارة الوفد الروسي والعلاقات السورية-الروسية:

بتاريخ 7/9/2020 زار سورية وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، وبمشاركة عدد كبير من الدبلوماسيين والاقتصاديين الروس، على رأسهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقد أجرى الوفد لقاء مع السيد الرئيس بشار الأسد شمل مختلف جوانب التعاون الثنائي وسبل دفعها إلى الأمام في مختلف المجالات.

لهذه الزيارة في هذه الظروف أهمية خاصة فهي تحمل عدة رسائل، وتتضمن تقديم مساعدات لسورية منها السريع والمباشر، ومنها ماهو استراتيجي لاستكمال بناء شراكة اقتصادية روسية- سورية، وأهم مافيها هو مشروع الاتفاقية الجديدة التي تضم أكثر من أربعين مشروعاً جديداً في مجال إعادة إعمار قطاع الطاقة، وعدد من محطات الطاقة الكهرمائية، واستخراج النفط من البحر…الخ.

والأهم هو التأكيد على دعم سورية سياسياً في الوقت الذي تشدد فيه أمريكا حصارها الاقتصادي من خلال تطبيق قانون (قيصر) من ناحية، وتوضيح الموقف الروسي حول بعض القضايا التي كثر الحديث عنها من قبل عدد من الإعلاميين، فيما يتعلق بالعلاقات السورية- الروسية.

وقد أكد الجانبان الروسي والسوري أن العلاقات بين سوريا وروسيا تنمو وتتطور بما يحقق مصلحة شعبيهما، وأكد لافروف التزام روسيا الثابت بسيادة سورية وسلامة ووحدة أراضيها واحترامها مبدأ أن السوريين هم أنفسهم يقررون مستقبل بلدهم وفق ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ومنع أي تدخلات خارجية في شؤون سورية الداخلية، ومنع أي تحريض خارجي للأجندات الانفصالية.

لقد سلم الجانب الروسي للجانب السوري مشروعاً روسياً لاتفاقية تعاون اقتصادي وتجاري جديدة، ويمكن أن يتم التوقيع عليها في نهاية العام، تهدف لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا وسورية.

إننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد نؤيد جميع الاتفاقيات التي تكون لمصلحة الشعب السوري، وخاصة الاتفاقيات التي تتم مع الأصدقاء، ونؤكد في الوقت ذاته على ضرورة بحث ومناقشة أي اتفاقية من خلال المؤسسات الوطنية المخولة بذلك، وأن تكون مصلحة سورية فيها دولةً وشعباً أولاً، ثم تجري مناقشتها وتصديقها في مجلس الشعب- المؤسسة المخولة بذلك.

في المهمات السياسية:

إضافة إلى المهمات الرئيسية التي أقرها المؤتمر الـ13 للحزب، وذُكر قسم منها في هذا التقرير،نؤكد على:

1.         متابعة مجابهة العدوان الأمريكي الصهيوني العثماني، وتحرير جميع الأراضي السورية المحتلة ومحاربة الإرهاب بكلّ أشكاله.

2.         العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، يضمن استقلال الدولة السورية ووحدتها أرضاً وشعباً، في مواجهة جميع محاولات التفرقة أو التقسيم، ورفض التنازل عن أي شبر من الأرض، أو أي حق من حقوق الدولة، في أي حل سياسي قادم.

3.         رفض أي اتفاق مع الكيان الصهيوني لا يضمن عودة كامل الأرض السورية، وضمانات دولية بوقف الاستيطان الصهيوني للأرض الفلسطينية، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس.

4.         متابعة اللجنة الدستورية عملها للوصول إلى مشروع دستور سوري ديمقراطي علماني يضمن وحدة الأرض والشعب.

5.         تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الصديقة.

6.         التأكيد دائماً أن مصلحة شعبنا وبلادنا هي العليا، وأن أي عقود مع أي شريك يجب أن تخضع لنقاش جدي في مجلس الشعب ودون فرض الوصاية.

7.         التنبيه من مخاطر الإسلام السياسي ومحاولة تغلغله في بعض المفاصل الرئيسية.

8.         المطالبة بفرض هيبة الدولة وقوانينها على الجميع ودون استثناء، وإنهاء عصابات القتل والخطف والسلب.

9.         العمل لتشكيل جبهة شعبية من القوى اليسارية والعلمانية- أي قيام حركة شعبية ديمقراطية تقدمية لمواجهة الفكر التكفيري من ناحية، والفكر الليبرالي من ناحية أخرى.

10.        متابعة النضال في سبيل تحقيق مصالح العمال والفلاحين وسائر الكادحين وخاصة زيادة الأجور ووقف زيادة الأسعار والتلاعب بسعر القطع الأجنبي والتهريب والتهرب الضريبي والجمركي. وتأمين المواد والخدمات الأساسية للمواطنين ومحاربة المحسوبيات والفساد وصيانة كرامات المواطنين وحرياتهم التي يكفلها الدستور.

11.        نؤكد دعوتنا لعقد مؤتمر وطني عام يضم جميع مكونات الشعب السوري وقواه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف طرح الأسس والوسائل العملية لإنجاز المهام المطروحة أمام البلاد، وحشد جميع القوى الوطنية المخلصة في سبيل ذلك.

في المجال الاقتصادي

• ماهي هوية الاقتصاد السوري؟

ليس لهذا السؤال، حتى اليوم، الجوابُ الشافي، والآن: أين يقف اقتصادنا؟ وإلى أين يتوجه؟

الفوضى في إدارة الاقتصاد فرضتها بشكل رئيسي إفرازاتُ الحرب القائمة على سورية، إضافة إلى تعدُّد الرؤى الاقتصادية، وهي تتراوح بين: اقتصاد ملتزم موجَّه، وقد أكد حزبنا دائماً على هذا التوجّه، واقتصاد بلا هوية يفتقد حتى إلى أسس الاقتصاد الحر، وإدارة المصالح التي تفتقد إلى أسس اقتصادية واجتماعية.

واختارت الحكومة هدف دوران العملية الإنتاجية وزيادة الإنتاج. ومما أضعف مقومات إنجازهما: معاناةُ الدمار، وتعثّر المعالجات وبطئها، وضيق الإمكانيات.

المحاولات كانت جادة من قِبل صانعي القرار، وجرى العمل على إزالة أغلب العوائق المالية والإجرائية والتشريعية، وقد تميّز عام 2018 بصورة مختلفة عن صورة ما خلّفته الحرب.

حاز قطاعا الزراعة والصناعة الاهتمام الكبير، وتوسّعت مروحة الدعم لهما في محاولة لإقلاع هذين القطاعين، رغم كل ما نعرفه عن التعقيدات في المنظومة الإدارية، التي بُدِئ العمل على تفكيك مسبّبات ضعفها وربما فسادها، وذلك من خلال برنامج الإصلاح الإداري، الذي تأخر عن برنامجه الزمني المقرّر ولم تُلمَس نتائج واضحة له.

الوضع الاقتصادي

مقدمة عن الوضع العام خلال المرحلة الماضية

اتسم المشهد الاقتصادي بتباينات فرضتها التغيرات السياسية والميدانية، وكان البعض منها ذا أثر إيجابي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، منها:

– عودة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وقد دخلت في مرحلة الإنتاج وحققت زيادات واضحة في إنتاج القمح والشعير ومختلف أنواع الخضار والفواكه.

– عودة قسم كبير من الفلاحين إلى أراضيهم من جديد.

– التحسّن النسبي في الوضع النفطي والكهربائي، وقد تميّز بإعادة الكهرباء إلى أغلب المناطق المحررة، وخاصة للمنشآت الصناعية التي عادت بشكل تدريجي إلى مسار الإنتاج.

– منح التسهيلات الجمركية والمالية والإعفاءات لمستلزمات الإنتاج التي يمكن أن تعيق مسيرة الاستيراد والإنتاج.

انقلب المشهد بمنحى سلبيّ بدءاً من العام الماضي، فالتحسّن المحقَّق لم يلمس المواطنون آثاره، وبدأ الوضع المعيشي يزداد سوءاً، وذلك لأسباب مختلفة يقف في مقدمتها ازدياد الحصار القائم تدريجياً، وضعف الإمكانيات الحكومية، إضافة إلى العراقيل غير المبرّرة التي لم يضعوا لها حلولاً تتطلب جدية في تبنيها من جهة، ومن جهة ثانية، البطء في تنفيذ الإجراءات المقرّة، مثل:

– تأخر إجراءات الإقراض بحجة وضع ضوابط الإقراض المصرفية، وعدم التفكير بالبدائل عن الشكل المصرفي المعتمد، وقد منع هذا التأخر من عودة تشغيل العديد من المنشآت التي طالها ضرر كبير.

– رفع الدعم بأشكال مختلفة لدعم الموارد الحكومية تحت عنوان توجيه الدعم.

– ظهر بوضوح عجز الحكومة عن التأثير في السوق، وكفّت عن محاولاتها التدخل للجم ارتفاع الأسعار، وتركت الأمر لمشيئة كبار المستوردين والحيتان الذين يحددون الأسعار ويتلاعبون بالسوق.

الآثار الكارثية لانخفاض قيمة العملة الوطنية

عانت العملة الوطنية من هزّات متتالية ارتفاعاً وهبوطاً، وكانت تجري معالجتها خلال سنوات الحرب بآليات غير مفهومة الهدف للاختصاصيين، مما أدى إلى استنزاف المخزون من القطع الأجنبي من خلال مسرحيات التدخل الإيجابي.

وقد حافظت العملة الوطنية على استقرارها نسبياً للفترة 2017- وحتى الربع الثالث من عام 2018، فتوالى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، بطريقة متسارعة وجنونية عجزت الحكومة عن التعامل معه رغم محاولات ضبطه، فقد شهدت سورية حالة تضخم غير مسبوقة أدت إلى ارتفاع سعر القطع الأجنبي إلى أكثر من 25 ضعفاً عما كان عليه في عام 2011، وذلك بالسعر الرسمي، ووصل إلى أكثر من 42 ضعفاً في السوق غير الرسمي. وقد ساهمت كما أشرنا سابقاً بعض الإجراءات والتدابير المالية والنقدية في هذا التدهور، سواء من خلال التفريط في بيع القطع الأجنبي للعموم في سنوات الأزمة الأولى، أو في التأخر في وضع حد لنشاط المضاربين وشركات الصرافة في التعامل بالقطع الأجنبي. كما ساهمت عملية تخصيص القطع الأجنبي لاستيراد العديد من المواد الضرورية في زيادة الطلب على القطع الأجنبي، فقد عمد التجار إلى بيع جزء من مستورداتهم لـ(السورية للتجارة) بسعر القطع المستخدم 435 ل.س/دولار، وطرح 85% من الكميات المستوردة بسعر السوق السوداء 700 ل.س/ دولار، والذي كانت عنده بدء الزيادة الملحوظة في ارتفاعات الأسعار، إضافة إلى حالة التحوّط التي لجأ اليها العديد من المواطنين للحفاظ على مدخراتهم ومواردهم بتحويلها إلى العملة الأجنبية.

وفي الوقت ذاته لجأت المصارف إلى خفض الفوائد على الودائع بالليرات السورية. كما أنها، في إطار العمل على استقطاب القطع الأجنبي المتوفر داخلياً أو الموجود لدى المصارف في البلدان المجاورة وخاصة لبنان، نالت الموافقة مؤخراً على إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي بفوائد تتراوح بين 3.5% و4% و4.5%. ومما لاشكّ فيه أن إصدار شهادات الإيداع سواء بالقطع الأجنبي أو العملة الوطنية هو إجراء اقتصادي متعارف عليه لتحقيق عدة أهداف، من أهمها توفير التمويل اللازم للخطط الاقتصادية، لكن المشكلة تكمن في نوعية المشاريع التي سيتم توظيف أموال هذه الشهادات فيها، وهل ستغطي إيراداتها حجم الفوائد التي ستتحقق عليها أم لا؟ الأمر الذي يتطلب دراسة واقعية ومعمقة للمشاريع والمجالات التي سيتم تمويلها من هذه الشهادات، وفي غير ذلك فإن مخاطر وأعباء جدية إضافية ستلحق بالاقتصاد الوطني.

مؤخراً كفّت الحكومة عن التدخّل في ارتفاع سعر الدولار، وتركت الأمر لمشيئة المضاربة!

مع ارتفاع تكاليف الحياة اليومية أصبح تأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة يشكل قضية أكثرية فئات الشعب، وقد أصبح بتداعياته السلبية هاجساً مؤلماً وخطيراً لشرائح واسعة، خاصة أصحاب الدخل المحدود.

لقد تعمّق الشرخ الطبقي في المجتمع السوري، وباتت أكثرية الشعب ضمن شريحة الفقراء، وفي الشق الآخر أقلية محدودة ومنها تجار الحرب والفاسدون والمرتشون الذين لهم المصلحة الحقيقية في استمرار الوضع القائم.

وقد نبّه حزبنا إلى أن تهميش مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، وتجاهل تأمين متطلبات حياتها وأمنها، يحمل مخاطر جدية على استمرار صمود الشعب السوري في مواجهة بقايا الإرهاب والاحتلال، وهذا ما تعوّل عليه وتعمل من أجله قوى التآمر والعدوان على بلادنا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

المشكلة معقّدة وتفرض تحدّياً كبيراً، لعدم إمكانية تأمين الموارد الاقتصادية والمستلزمات الضرورية لدوران العملية الإنتاجية، في ظل التدمير الممنهج الذي تعرضت له البنى الاقتصادية والإنتاجية والخدمية والمرافق الحيوية، على مدى هذه الحرب القذرة.

إن أسعار مكوّنات سلّة الاستهلاك الرئيسية تباينت بشكل كبير خلال الفترة الماضية بأكثر ما تأثرت خلال الحرب، وأصبحت الأولويات مختلفة، حتى إن الأسرة السورية أصبحت تغيّر كل يوم أولوياتها، بسبب التزايد الجنوني المنفلت لأسعار مستلزمات المعيشة، والعائد بشكل رئيسي لجشع تجار الحرب والطفيليين الذين أجهضوا كل الجهود الوطنية لتحسين واقع حياة المواطن السوري، بل كان لهم دور كبير في استمرار الحال المتردية وتفاقمها، لأنهم الأدوات التي استفادت وكبرت وأصبح لها مصلحة حقيقية في ترسيخ الوضع المتردي واستمراره، فجعلت الواقع المعيشي أكثر وطأةً على المواطن.

لقد تأثرت السوق السورية خلال الحرب بنيوياً وبشكل كبير، إذ أصبحت سوقاً احتكارية جشعة تخدم مصالح فئوية ضيقة، وليست سوقاً تنافسية متوازنة، كما أنها خرجت من إطار السيطرة الاستهدافية لأدوات السياسة الاقتصادية، ومنها مثلاً زيادة الأجور.

وخير مثال هو الزيادة الأخيرة في الأجور، التي سبقتها وتلتها ارتفاعات هستيرية للأسعار التَهمَت الزيادة وزادت عليها بأضعاف.

وهكذا وجد المواطن نفسه وحيداً في مواجهة المستوردين وكبار التجار وأسياد السوق، دون وجود أي جهد حكومي لمساعدته أو دعمه، وارتفعت أسعار جميع المواد والخدمات، وبات تأمين لقمة عيش أكثرية فئات الشعب السوري الفقيرة والمتوسطة أمراً صعباً للغاية، ويتساءل المواطن بحسرة: أين الحكومة؟ أين الدولة؟! وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى وسائل الإعلام الرسمية، بردود أفعال المواطنين تجاه عدم قدرة الحكومة على لجم ارتفاع الأسعار المنفلت.

مؤخراً قامت الحكومة بتسعير 22 مادة تدخل في سلة الاستهلاك الرئيسية للمواطن، وأثارت أسعارها المرتفعة استياء المواطنين واستغرابهم، فكيف سيتدبرون تأمين هذه السلع ما دامت أسعارها تفترض أن دخل المواطن السوري يساوي دخل المواطن في سويسرا؟إن متوسط الرواتب في بلادنا اليوم البالغ نحو 45000 يكاد لا يؤمّن نصف هذه السلة شهرياً.

تداعيات جائحة كورونا وقانون قيصر وأثره على الجانب الاقتصادي والمعيشي

أثرت تداعيات جائحة كورونا على الوضع الاقتصادي المتأزم فازداد تأزماً، وقد أدّى التعطّل الكامل لكلّ النشاطات، باستثناء الإنتاجية منها، إلى تعطّل فئات واسعة من العمالة الدائمة والمؤقتة التي هي خارج النشاط الإنتاجي المباشر الذي يؤمن الحاجات الأساسية للمواطن، هذا التعطل خلق مشكلة حقيقية كادت تؤدي إلى الانفجار نتيجة الجوع الحقيقي الذي واجهته هذه الشريحة من العمالة، إلى أن عادت الحكومة إلى إعادة الفعاليات المختلفة لعملها.

أضافت تداعيات الجائحة التي مازالت تزداد انتشاراً تكاليف يومية إضافية على الأسر الفقيرة. لم تضع هذه الحكومات حداً للمضاربين في أسعار القطع الأجنبي، ولم تقدم الدعم اللازم للمنتجين في القطاعين العام والخاص، ولم تسهل على الصناعيين والحرفيين الحصول على القروض، ولم تدعم أسعار السماد والعلف والمازوت للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية، واكتفت بالطرق السهلة للحصول على الإيرادات من خلال رفع معدلات الضرائب والرسوم غير المباشرة، وتخفيض الدعم الاجتماعي، وترك بعض كبار المستوردين والتجار يتحكمون بأسعار السلع الأساسية، بل لجأت الحكومات إلى رفع متكرر لأسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية، كان آخرها رفع سعر المازوت الخاص بالصناعيين من 295 إلى 650ليرة/ليتر، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع السلع، كل ذلك دون النظر إلى أهمية توازن الأجور والأسعار، فتقزمت مداخيل وأجور الفئات الفقيرة والمتوسطة أمام الارتفاعات المتكررة للأسعار، ووجد المواطن السوري نفسه أعزلاً أمام جشع حيتان الاستيراد والأسواق.. وتجاهل الحكومات، في الوقت الذي استشرى فيه الفساد، ومارس سطوته على المفاصل الرئيسية في الاقتصاد والإدارة.

وفي الوقت الذي تعهدت فيه الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري أمام مجلس الشعب بمعالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين، تفاقمت أزمة الخبز.. والبنزين، وصارت الطوابير المشهد البارز في الحياة اليومية.

إن رفع الحد المعفى من الضرائب على الرواتب إلى 50000 ليرة خطوة نحو دعم الأجر الحقيقي، لكننا نطالب بإعفاء كامل الأجر من جميع الضرائب والرسوم، وزيادته بما يتناسب مع الارتفاع الجنوني للأسعار، كذلك تشكل المنحة الرئاسية البالغة 50000ليرة سورية دعماً مهماً لتلقي الأجور، لكنها ولأنها لمرة واحدة لا تصمد أمام احتياجات الفئات الفقيرة والمتوسطة في ظل الارتفاعات المستمرة للأسعار.

إن القضاء على الفساد ولجم المتحكمين بالأسواق من كبار التجار والمستوردين، وتفعيل دور الحكومة، وتدخلها في تحديد الأسعار، وزيادة الأجور والرواتب، ومساعدة المنتجين في القطاعين العام الخاص، ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعي، تعد اليوم أولويات معالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي، وهذا ما ترى اللجنة المركزية أهمية أخذه بالحسبان من قبل الحكومة، وبشكل عاجل، بهدف تعزيز الصمود السوري، خاصة أن المرحلة القادمة ستكون حسب اعتقادنا من أخطر المراحل والمنعطفات التي تواجه بلادنا منذ بعد الاستقلال.

أما ما يخص قانون قيصر الذي بدأ العمل بتطبيقه اعتباراً من 16/6/2020 إضافة إلى حزمة العقوبات المفروضة على سورية، التي تستهدف الفعاليات الاقتصادية، وهي بمجملها تهدف إلى:

•           إخضاع الدول الضعيفة والتي تملك ثروات طبيعية، دون استخدام القوة العسكرية.

•           الضغط على السلطة السياسية للبلد المستهدف لتغيير النظام السياسي.

•           الضغط لتنفيذ برنامج معيّن يخدم مصلحة الدولة الفارضة للعقوبات.

•           إضعاف الدولة الهدف لتكون غير قادرة على المنافسة اقتصادياً، فالعقوبات تعرقل مسيرة النمو ويتراجع رخاء شعوبها، إضافة إلى هروب رؤوس الأموال من الدولة الهدف، أو عدم قدوم رؤوس أموال للاستثمار في هذه الدولة.

الخلاصة:

1.         إطالة زمن الحرب وإعاقة عملية إعادة الإعمار، وتحجيم دور الشركات الإيرانية والروسية والصينية. تريد الإدارة الأمريكية أن تضمن للشركات الأمريكية حصة من إعادة الإعمار.

2.         الضغط على سورية وروسيا لتأمين انسحاب القوات الإيرانية، ومنع تمدّد روسيا في المناطق الشرقية والجزيرة، وحصر وجودها في حميميم وطرطوس.

3.         تفكيك المجتمع السوري من خلال توجيه المساعدات إلى المناطق التي ما زالت خارج سلطة الدولة السورية.

4.         الاستثمار في المصاعب الاقتصادية والمالية.

5.         تقديم التنازلات لصالح المشروع الأمريكي.

السؤال المهم: هل تحقق العقوبات المفروضة دائماً أهدافها؟

عملياً لا تحقق العقوبات المفروضة الهدف كاملاً، وإنما يمكن تحقيقه جزئياً، وهذا يعتمد على:

– قدرة الدولة المستهدفة على التعامل مع الوضع القائم.

– وجود شركاء وأصدقاء يمدّونها بالسلع الضرورية أو يستقبلون صادراتها من المنتجات الحيوية.

– العقوبات بحد ذاتها تفرض حالة تحدٍّ أمام الدول المعاقَبة، فتردّ بانتهاج سياسة الاعتماد على الذات وكفاية إنتاجها المحلي للإحلال محل الواردات المختلفة.

– الطبيعة الشاملة للعقوبات الاقتصادية التي تستهدف دولاً عديدة وليست دولة بعينها تجعل من الإجراء المفروض سلاحاً ذا حدّين، لأنها تخلق اقتصاداً موازياً للدول التي تجمعها العقوبات بحيث تتكامل فيما بينها لتواجه الضرر، وهذا مخرج مهمّ للعقوبات، وينطبق على الحالة السورية.

حول إعادة الإعمار:

تبنّت الحكومة الخطة الاستراتيجية للدولة لمرحلة ما بعد الحرب، التي تهدف إلى معالجة آثار الأزمة واستعادة مسارات التنمية، معتمدةً على قدرات المجتمع والاقتصاد السوري على الصمود والتعافي والنمو، ضمن خطط تهدف إلى رسم المشهد السوري للمرحلة المقبلة، من خلال البرنامج الوطني لسورية ما بعد الحرب، الذي قسم إلى أربع مراحل: [الاستجابة للاحتياجات_ التعافي_ الانتعاش_ استدامة التنمية]. هذه الخطة بُنيت بأكبر مشاركة للكوادر الحكومية والخاصة من القاعدة إلى القمة.

وكان حزينا قد طالب ومازال يطالب بوضع خطة حكومية لإعادة الإعمار، يساهم في إعدادها ممثلو الرساميل الوطنية وخبراء الاقتصاد السوري، وبحيث تركّز على الأولويات، وتتوحد لإنجاز هذه المهمة الوطنية.

نسمع من أوساط حكومية أن هذا العقد مع هذه الشركة أو تلك، أو الاتفاقات مع هذا الحليف أو ذاك، أنها تأتي في سياق إعادة الإعمار.

ونتساءل هنا: هل يجوز أن نحدد هذه المسألة الوطنية التي تعني مستقبل سورية بهذا الشكل؟ هل علمنا وحدّدنا احتياجات الاقتصاد السوري، والإنسان السوري، والمرأة السورية، وتنمية المجتمعات المحلية؟؟؟

نؤكد مجدداً أهمية عقد مؤتمر وطني اقتصادي، يتوافق مع أجندة الدولة المخصّصة لوضع خطة لإعادة الإعمار.

المهمات:

1.         التأكيد على تحسين الوضع المعيشي للمواطن، ورفع مستوى الأجور، وتقديم مذكّرات بهذا الشأن إلى الجبهة والحكومة.

2.         المطالبة بمشاركة كلّ مكونات المجتمع في وضع الخطة الحكومية لإعادة الإعمار.

3.         عرض جميع العقود والاتفاقيات على مجلس الشعب لمناقشتها، وذلك دون وصاية.

4.         المطالبة بتسهيل حصول المواطن على المواد الضرورية والمدعومة دون تعقيدات، عن طريق نواب الحزب والوزير.

5.         إقامة ندوات مركزية، وندوات في المنطقيات، لتوضيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أمام الرفاق والأصدقاء ومشاركتهم في وضع الحلول.

6.         الكتابة للجريدة حول مطالبة المواطنين وشكاويهم.

العدد 1104 - 24/4/2024