كوريا وحادثة سفينة (بويبلو)
قبل خمسين عاماً منذ الآن، وقعت حادثة سفينة (بويبلو) التي هزت أركان العالم، إذ إن بحارة الجيش الشعبي الكوري أسروا في يوم الـ 23 من كانون الثاني عام 1968 سفينة (بويبلو)، سفينة التجسس المسلحة للولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي بأنها (الأقوى) في العالم، حتى يرى المجتمع الدولي كوريا، البلد غير الكبير، بنظرة جديدة.
ما هو السبب في أسر سفينة (بويبلو) في كوريا؟
دعونا نرى ما هو السبب في أن سفينة (بويبلو) التي كانت تتردد إلى المياه الإقليمية لأي بلد في العالم، كما في بيتها، اُسِرت في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لا في غيرها؟
كما هو معروف، فإن سفينة (باينر)، السفينة الشقيقة لـ(بويبلو)، كانت خاضعة للضبط عد مرات من قبل سفن دورية الاتحاد السوفييتي السابق والصين، أثناء قيامها بأعمال التجسس الإلكتروني على ساحل سيبيريا وبحر الصين، إلا أنها استطاعت أن تفلت منها بسلام في كل مرة من ذلك، بدعوى أنها سفينة حربية أمريكية، ذلك لأن ذينك البلدين الكبيرين خافا من الاشتباكات السياسية والعسكرية مع أمريكا القوية، قبل تفكيرهما في ضرورة التمسك بسيادتهما، كان أطقم سفينة (بويبلو) وبضمنهم القبطان، على قناعة بأن بلدهم أقوى دولة في العالم، يقوم بأي عمل كما يحلو له، ولا يتجرأ أي بلد على مواجهته، فبدافع من غطرسة المبالغة في الثقة بقوته، استطاعت هذه السفينة التي تسللت إلى المياه الإقليمية للدولة السيادية، مثلها مثل القط الشارد، أن ترفع العلم الأمريكي، تلبية لمطالبة سفينة دورية القوات البحرية للجيش الشعبي الكوري بإيضاح الجنسية.
ولكن الأمر كان مختلفاً في كوريا، التي تعتزّ بسيادتها أكثر اعتزازاً من حياتها، طلب بحارة الجيش الشعبي الكوري من السفينة الأمريكية التي خرقت سيادة بلادهم أن تخضع للضبط، ولكن السفينة المليئة بالعجرفة ردت على هذا الطلب بإطلاق وابل من رصاصات الرشاشات ذات العيار الكبير.
ما عمل صاحب البيت، حين شهر اللص الذي دخل بيته، السيف قبله؟ اتخذ بحارة الجيش الشعبي الكوري إجراءات حاسمة وجريئة لكبح تصرفات العدو، وأسروا السفينة، وقد كانت أول سفينة يأسرها بلد آخر، بعد ظهور أمريكا إلى حيز الوجود.
ما هو السبب في فشل أمريكا؟
عقب وقوع حادثة أسر السفينة، بدأت الولايات المتحدة بالحركة في اتجاهين، أحدهما هو تعبئة مجموعات الضرب واسعة النطاق ودفعها إلى كوريا، بغية تهديدها عسكرياً وإخضاعها لها. تبعاً لذلك، زُجّ بالقوات المسلحة البحرية الضخمة، المكونة من حاملة الطائرات بالداسر النووي (إنتربرايز) وحاملتي الطائرات (ريئينز) و(يورك تاون) و25 طرداً ومدمرة، في المياه الإقليمية من شبه الجزيرة الكورية، جدير بالذكر أن سفينة (إنتربرايز) تسللت حتى إلى منطقة لا تبعد إلا 12 ميلا بحرياً عن واونسان الواقعة على شاطئ بحر كوريا الشرقي، وأطلقت بمكبر الصوت عالي الطاقة صراخاً بأنها ستتخذ (إجراءات انتقامية)، ما لم تفرج كوريا عن السفينة وأطقمها، والقوات الأمريكية المرابطة في اليابان وجنوبي كوريا، والجيش الكوري الجنوبي أيضاً كانت في حالة التأهب والحذر.
وثانيهما هو تحريض الاتحاد السوفييتي السابق على فرض الضغط على كوريا، حسبت الولايات المتحدة بأن كوريا ستُطيع كلام الاتحاد السوفييتي الذي كان يؤدي دور (كبار المعسكر الاشتراكي)، نظراً لأنها بلد ينضم إلى (نطاق الشيوعية)، فضلاً عن السفير المعتمد لدى كوريا، فرض حتى أحد كبار الشخصيات رأيه على الحكومة الكورية.
ولكن كل المحاولات الأمريكية لم تتملص من الفشل والإخفاق، إذ إن كوريا ردت على (الانتقام) الأمريكي بانتقامها، وعلى الحرب الشاملة الأمريكية بحربها الشاملة، إرادة جميع أفراد الجيش وأبناء الشعب للقتال ضد عدوان الإمبرياليين الأمريكيين، متّحدين بقلب واحد وإرادة واحدة، انبثقت بشدة كالبركان الثائر، ورفضت كوريا بحزم (نصيحة) الاتحاد السوفييتي بإرجاع السفينة وأطقمها بهدوء.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية جاهلة تماماً بأن كوريا لا تساوم مع أحد ومع أي شيء بشأن مسألة سيادة البلاد. في نهاية الأمر، استطاعت الولايات المتحدة أن تتسلم أطقم السفينة الذين يتم طردهم من داخل كوريا، بعد أن قدمت نص الاعتذار الرسمي باسم حكومتها فقط، وكان ذلك أول نص للاعتذار، قدمته الولايات المتحدة إلى بلد آخر، بعد نشوء البلاد، أما السفينة فبقيت في أرض كوريا كغنيمة لها.
لقد مضى خمسون عاماً منذ ذلك الحين، لكن إرادة الشعب الكوري للدفاع عن سيادته وكرامته ثابتة ولم تتغير، بل ازدادت شدة من جراء المؤامرات الأمريكية لفرض العقوبات والضغوطات على كوريا وإشعال نيران الحرب النووية، لن تلاقي أية مسألة من المسائل الكورية الأمريكية حلولاً لها، دون اعتراف أمريكا بسيادة كوريا وكرامتها.