العالم ضد قرار ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة
صفوان داؤد:
دخل شهر تموز الحالي دون إعلان إسرائيل بدء عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة كما كان مقرراً سابقاً، وأعلن الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مازال يواصل مباحثاته مع الإدارة الأمريكية في هذا الشأن. ورغم أن عملية الضم تأتي استكمالاً لبنود ما يسمى صفقة القرن التي وقّع عليها دونالد ترامب في كانون الثاني الماضي، إلا أن واشنطن لم تعطِ الضوء الأخضر بعد للإسرائيليين للمضي قدماً في هذه العملية. وحتى الآن لم يقدّم الاسرائيليون خطوطاً واضحة للجغرافيا التي ينوون ضمها، وهي تتراوح من كتلة مستوطنات كبرى على حواف خطوط إسرائيل ما قبل 1967، وحتى ضمّ غور الأردن برمّته مع كامل المستوطنات الإسرائيلية ضمنه.
ومنذ أن احتلت إسرائيل أراضي الضفة الغربية عام 1967، بقي قرار الضمّ واحداً من الخيارات الحاضرة دوماً على الأجندة العدوانية في تل أبيب، لكنها لم تلجأ إليها بفعل المعارضة الصريحة من أوساط المجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، لكن ارتأت حكومة بنيامين نتنياهو أن هناك فرصة تاريخية لإسرائيل مع انشغال العالم بجائحة كورونا، ومع وجود دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الذي لا يستطيع أن يرى أيّ حق من حقوق الفلسطينيين، والذي تجاوز كل الرؤساء الأمريكيين في وقاحته ناقضاً واحدة من المسلمات التاريخية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي معارضتها المبدئية لعملية ضم الضفة المحتلة وقبولها اشتراط وضع خرائط الضمّ بموافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
لكن تل أبيب تقدّر أن عملية الضمّ لن يكون لها معنى إذا لم تترافق مع اعتراف مراكز القرار داخل الولايات المتحدة، في حين أن قدرة الفلسطينيين على منعها شبه معدومة. كما يواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي معارضة جدية من اليمين الاسرائيلي الذي يرفض بشكلٍ كامل هذا القرار، ويرى فيها أنها خطوة للأمام نحو قيام دولة فلسطينية مستقبلية فيما تبقى من مناطق الضفة. كذلك يتخوف الوسط السياسي الإسرائيلي من أن تؤدي عملية الضم إلى عزلة دولية أكبر تُفرَض على إسرائيل، ووضعها ضمن خانة دول الفصل العنصري، ففي متلازمة حتمية، من أجل حفاظ إسرائيل على نفسها كدولة يهودية، عليها حرمان الفلسطينيين الدائم من الحقوق الأساسية لهم والتي ستؤثر على جوانب لا حصر لها من حياتهم، وستزيد من معاناتهم في العيش تحت ظروف الاحتلال العسكري، وستؤدي إلى ضياع حلمهم بتحقيق طموحاتهم الوطنية في إنشاء دولة كاملة المعاني، ما ينذر بجولة عنيفة أخرى من المواجهات مع الفلسطينيين.
لكن حتى الآن لم يأت ضوء أخضر من واشنطن ، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن وفداً أمريكياً غادر إسرائيل وسط خلافات بين نتنياهو ووزير دفاعه بيني غانتس، بشأن توقيت أي خطوة أحادية لضم الأراضي يمكن تنفيذها، وهل سيتم تجاوز النسبة التي حددتها خطة ترامب والبالغة نحو 30%. وإضافة إلى معارضة الولايات المتحدة، واجه القرار الإسرائيلي معارضة صريحة وواسعة دولياً. وأعلنت كل من لندن وباريس عن موقفها الواضح والرافض لعملية الضم.
ويقول الكاتب والصحفي إيدو فوك في صحيفة (ذا نيو سيتسمان) الذي عكس بشكل عام الرأي العام الاوربي من قرار الضم (أن قيام إسرائيل بضم أراض من الضفة الغربية الفلسطينية سيقود الى تكريس فكرة الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو شيء يعتبر عموماً غير قانوني بموجب القانون الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. وسوف تستمتع الدول عديمة الضمير في جميع أنحاء العالم، والتي تتطلع إلى اقتطاع شرائح من أراضي جيرانها، بالسابقة التي يضعها استيلاء إسرائيل على الأراضي التي احتلتها في الحرب). وكان أكثر من ألف برلماني من مختلف أنحاء أوربا قد وقعوا على رسالة يعارضون فيها ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة منهم 240 برلماني بريطاني، كما لاقى القرار معارضة واسعة من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني. وقالت منظمة العفو الدولية في بيان لها خطة الضم تعزز قانون الغاب، وتفاقم الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة ضد الفلسطينيين. وكانت معارضة الفلسطينيين هي الأكثر وضوحاً ومصداقية بدءاً من القواعد وحتى أعلى المستويات، واستبقت القيادة الفلسطينية إجراءات الضم المحتملة بقطع كل العلاقات مع إسرائيل، وإلغاء اتفاقيات التعاون الأمني. كما أصدرت عدد من الدول العربية مواقف منددة بقرار إسرائيل، وكان لافتاً موقف الأردن الذي قد يتضرر بشكل كبير في حال تمت فعلاً هذه العملية.
في الأيام المقبلة لن يحدّد موقف البيت الأبيض سوى الرئيس ترامب نفسه، وستلعب الانتخابات الرئاسية الدور الحاسم في تحديد موقفه، وبسبب صعوبة أن يغير تأييد الضم آراء الناخبين الأمريكيين الذين من الواضح أن لهم أولويات أخرى، ليس أولها نسبة االبطالة وليس آخرها مقتل جورج فلويد، فإنه من المتوقع أن تفرض إدارة ترامب على رئيس الوزراء الإسرائيلي عملية ضمّ محدودة لا أكثر. لكن على الجانب الفلسطيني ليس أمامه من عملية الاحتلال الجديدة سوى خيار انتفاضة جديدة وهو احتمال ربما ليس ببعيد.